قصة قصيرة

  أحمد في التاسعة صباحًا عاد أحمد من المخبز القريب من بنايته وهو مبتهجٌ برائحة المناقيش الساخنة التي ذهب خصّيصًا ليُحضرها إلى والده. وما إنْ بلغ بابَ المصعد حتى صاح: "العمى، ما صارت الساعة عشرة! ليش الكهربا انقطعتْ؟" توجَّه إلى السلم ممتعضًا. خمسة...
  لا يعلمُ كيف تطوّرت الحكايةُ إلى هذه الدرجة حتى أصبحتْ مرضًا يصعُب التّعاملُ معه، ولكنّه يذكر جيّدًا كيف بدأ الأمر. وقد بدأ الأمر عندما أحيلَ والدُه على المعاش، فانتقلتْ مسؤوليّةُ الأسرة إليه. قرع كلَّ الأبواب أملًا في الحصول على وظيفة، ولكنّها...
  قالت الأمُّ لابنتها: لن تخرجي اليومَ إلى اللعب. ألم تسمعي ما قالته مُدرِّستُكِ في اجتماع الأهل؟ ردّت ابنتُها: أرجوكِ أمّي دعيني أخرج! فأنا أشعر بسعادةٍ غامرةٍ وأنا أجري فوق العشب، وأسعدُ لرؤية دعسوقةٍ صغيرة. منذ أيّام، رأيتُ، للمرّة الأولى في...
  - يلعن الساعة اللي جبتِكْ فيها! من تحت الشجرة الصغيرة التي تُظلّله، رماها بنظرةٍ حاقدة، وبتلك الكلمات الغاضبة التي لم يتخيَّلْ أن يوجّهَها إليها يومًا. *** في طفولته، كانت الجولةُ في السيّارة بصحبة والده هي متعتَه العظمى. وكان حلمُه الأثير أن...
  (بمناسبة اليوم العالميّ للتبرّع بالدم في 14 حزيران/ يونيو)   "عليكَ أن تَحْضر قبل الثامنة مساءً،" قالت له بنبرةٍ ودودةٍ قبل أن تُقفل الخطّ. كانت الساعة تشير إلى السابعة. عمران أسعد ضاهر. استعاد بمتعةٍ الاسمَ الذي طلبتْ منه أن يحفظَه جيّدًا. أحسَّ...
  (قصصُ أطفال للكبار: إلى أطفال غزّة الذين ارتقوْا إلى السماء)   عندما تُغلَق المدرسة كان الأمرُ سيئًا جدًّا. فقد ماتت سجى تحت ركام شقّتهم قبل أسبوعٍ واحدٍ فقط من ظهور البراعم على الأغصان. لكنّني أعتقد أنّ الأغصان لا تعرف ذلك لأنّ المدرسة كانت...
  قفز قلبُ الستّ رقيّة مع القرْع العنيف الذي اخترق السكونَ المرعبَ المخيِّمَ على البرج بعد أن خلا من سكّانه، وبعد أن خفَت ضجيجٌ علا فجأةً. خليطٌ من صراخٍ ووقعِ أقدامٍ تتراكض على الأدراج، ثم دقّاتٌ عجلى على بابها اختلطتْ بصياح صاحبها: "انزلوا بسرعة...
  جاءني شاخصًا ببصره وكأنّ الأرضَ رَجَّت به رجًّا: - هل رأيتَه؟ - مَن؟ - هو. - مَن هو؟ - الذي مرَّ أو سيمرُّ من هنا. - مَن هذا الذي مرَّ أو سيمرُّ من هنا؟! عبس فيَّ يائسًا، ثمَّ أدبر إلى أقرب ناصيةٍ من هذا الشارع الترابيّ الطويل المملّ، ويداه...
  الجدّاتُ ساحراتٌ يمسحن الألمَ والحزنَ عن قلوبنا، وجنيّاتٌ لطيفاتٌ يملأن أيّامَنا بالحكايا العجيبة. وإذا كانت الجنّةُ تحت أقدام الأمّهات، فينابيعُها تتفجّر من أيدي الجدّات، وأنهارُ العسل المصفّى تجري من ألسنتهنّ، وعطرُ الفردوس يُستخلص من أثوابهنّ...
  سأدخل اليومَ إلى المحرقة. رحتُ أُعِدُّ نفسي وجسدي لتلك اللحظةِ المهولة. كنتُ أنظرُ بذهولٍ إلى رفيقاتي كيف يمسك بهنّ ذلك الرجلُ الضخم، ويقلبهنّ في الهواء، ثم يرمي بهنّ في النار، ليعودَ ويسحبَهنّ بعد دقائق وقد انتفختْ جلودُهنّ وتغيّرتْ ألوانُهنّ. -...
  (قصّة من وحي تجربة ٍشخصيّة)   أمسك بهاتفه النقّال ليطّلعَ على نتائجِ فحوصه، بينما راح يسعل بشدّة، واضعًا منديلَه الورقيَّ على فمه. تغيّر لونُ وجهه لمّا رأى التقرير. لكنّ زوجتَه، المصابةَ مثلَه بالكورونا، باغتتْه حين دخلت الغرفةَ حاملةً فنجانَ...
    كان والدي بمقاييسي لغزًا: فعندما يغضب، يقطِّب حاجبيْه، فيتقاربان، حتى يبدو وجهُه وكأنّه ساحةٌ لعاصفةٍ حُبستْ بين قمّة جبليْن؛ أمّا عندما يبتسم، فقد كانت ابتسامتُه تبدو أشبهَ بنافذةٍ مضيئةٍ فُتحتْ دفّتاها على قمم الغيم المحتشدة بينهما. كان والدي...
  الكون كبير جدًّا. صغير جدًّا. الموت لغز. أهمُّ لغزٍ في العالم. والموتى أيضًا يتحدّثون. هناك مَن يخبرُكَ عن الموت تفاصيلَ كثيرةً تُحرِّك مخاوفَك ومشاعرَك؛ أمّا العقول فلا مكانَ فيها لكلِّ ما يُروى. الضمان الوحيد لكلِّ ما تسمعه هو أن تجرِّبَ الموتَ...
  عندما راسلني أخي بعد سفره سألني أسئلةً غريبة: سألني عن صحيفةِ الأدعية التي كانَت جدّتي تضعُها تحت وسادتِها قبلَ النوم، وعن لونِ آخرِ قميصٍ ابتاعه جدّي. قال لي إنّه اكتشف أنّ جدّي لا يرتدي إلّا الملابسَ الزرقاءَ والبنيّةَ في الصيفِ والشتاء. ضحكتُ...
  كان يرغب في أن يكون رجلًا عظيمًا. ولكنْ، مع مرور الوقت، استقرّ على أنّه من الأفضل أن يكون رجلًا خفيفَ الظلّ. لم يعد يذكر كيف ومتى حدث هذا الانتقالُ من العظمة إلى الخفّة. كلُّ ما يعرفه أنّه حدث بشكلٍ سلسٍ وتلقائيّ، مثلما تلاشت لديه أيُّ رغبةٍ في...