"وقفة بيروت" والمراجعة المطلوبة
25-06-2018

 

دفاعًا عن "الشرعيّة الفلسطينيّة" و"الرئيس الفلسطينيّ،" حشدتْ حركةُ فتح في لبنان المئاتِ من أنصارها وأتباعها أمام سفارة السلطة الفلسطينيّة، واستأجرت الحافلاتِ والسيّارات من أجل تأمين وصولهم إلى بيروت.

ولكنْ في مواجهة مَن تحشدون الحشودَ، وتستأجرون الحافلاتِ والسيّارات، يا إخوةَ "الياسر"؟

في مواجهة بعض المجموعات الشبابيّة الفلسطينيّة واللبنانيّة التي خرجتْ تُطالب برفع العقوبات التي تفرضها "الشرعيّةُ" ذاتُها و"الرئيسُ" نفسُه على شعبنا في قطاع غزّة المحاصَر!

وبعيدًا عن كذبة "الشرعيّة الفلسطينيّة" وتلفيقاتها الفارغة التي أصبحتْ عنوانًا للتندّر والسخرية في البيوت والمقاهي الشعبيّة؛ وبعيدًا أيضًا عن "الرئيس" الذي انتهت صلاحيّتُه منذ "الثلجة الكبيرة" في فلسطين، وتحديدًا منذ 9/1/2009؛ نسأل:

كيف لا تقوم حركةٌ رائدةٌ وعملاقةٌ، مثل حركة فتح، بتنظيم مسيرات جماهيريّة حاشدة ومماثلة في ذكرى النكبة من أجل حقّ العودة مثلًا، أو دفاعًا عن الحقوق المدنيّة والسياسيّة للفلسطينيين في لبنان؟

وكيف يرضى أحفادُ خليل الوزير وماجد أبي شرار وكمال ناصر وكمال عدوان وأبي يوسف النجّار بأن يهتفوا بشعارات التأييد لمن ينسِّق أمنيًّا مع العدوّ الإسرائيلي ويشدّد من حصار الجوع على مليونيْ أخٍ وأختٍ لهم في قطاع غزّة؟

 

***

كيف لا تقوم حركةٌ رائدةٌ وعملاقةٌ، مثل حركة فتح، بتنظيم مسيرات جماهيريّة حاشدة ومماثلة في ذكرى النكبة من أجل حقّ العودة

 

لكنْ، على المقلب الآخر، كانت قوى المقاومة والممانعة الفلسطينيّة واللبنانيّة (شبهَ) غائبة، كأنْ لا حولَ لها ولا قوة، أو كأنّها تنتمي إلى كوكبٍ آخر، تاركةً مجموعةً صغيرةً من الشباب والصبايا والأطفال، فلسطينيين ولبنانيين، يتظاهرون وحدهم أمام السفارة الفلسطينيّة دعمًا للقطاع المحاصر، دونما أيّ دعمٍ أو احتضانٍ فصائليّ وشعبيّ حقيقيّ. وهذه كارثة حقيقيّة!

نعم، كارثة حقيقيّة أن يسبقَ الناسُ "الطليعة الثوريّة"؛ فهذه ــــ كما يدلّ اسمُها ــــ يُفترض أن تتقدّم الصفوفَ وتنظّمَ الجماهيرَ وتدافع عن حقوقها، لا أن تتخلّى عنها أو تتخلّف عنها، ثم تقدّم التبريرَ تلو التبرير لتقاعسها.

يبدو المشهد حزينًا وسرياليًّا جدًا في بيروت. فمَن خرج يرفع يافطة "شعب واحد ودم واحد ومصير واحد، #ارفعوا _ العقوبات" ويهتف "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين...،" وجد ظهرَه مكشوفًا أمام مَن رفعوا صورَ "الرئيس" وهتفوا "بالروح بالدم نفديك يا أبو مازن." لا بل حاول بعضُ الموظّفين في سفارة السلطة الفلسطينيّة و"السحّيجة" أن يُقلّدوا زملاءهم من الزعران في أجهزة الأمن الفلسطينيّة داخل الأرض المحتلّة، فاعتدوْا على الزملاء الصحفيين في بيروت واتهموهم بالتحريض على "إسقاط الرئيس."

تعزو الفصائلُ الفلسطينيّة عدمَ مشاركتها في المظاهرة إلى أسباب عدّة: "المكان [اي السفارة الفلسطينيّة] حسّاس"؛ أو "لا نريد تعميقَ الانقسام بالتظاهر أمام سفارتنا"؛ أو "لم يشاورْنا أحدٌ من قبل في قرار هذه الوقفة." هذه كلّها ذرائعُ واهية لا تنطلي على أحد، يا إخوة ويا رفاق، بمن في ذلك مروّجوها أنفسُهم.

ولكنْ، لو سلّمنا بتلك الذرائع جدلًا، فلماذا لم نرَ تحرّكاتٍ شعبيّةً مناصرةً لشعبنا في غزّة في مكانٍ آخر في لبنان لا يكون "حسّاسًا" بل "مُحايد،" كالمخيّمات الفلسطينيّة مثلًا؟ أمْ أنّ أولئك المتذرّعين يريدون إقناعَنا بأنّ جماهير شعبنا في لبنان ترضى بالحصار الإسرائيليّ والعربيّ الرسميّ، وتوافق على العقوبات التي يفرضها "الرئيسُ" وفريقُه على قطاع غزّة؟!

وفي الوقت الذي كانت فيه حركتا حماس والجهاد والجبهتان الشعبيّة والديموقراطيّة وحزبُ الشعب وغيرُها تشارك في فلسطين المحتلّة إلى جانب الحَراك الشبابيّ والشعبيّ المتصاعد، وتقدّم الشهداءَ والجرحى، وتقود مسيراتِ العودة، وتشارك في حملة "إرفعوا العقوبات" في الضفّة المحتلة؛ فإنّنا نجدها صامتةً في لبنان، تتفرّج من بعيد، كأنّها تعيش في الهند الصينيّة، لا في مخيّمات اللاجئين!

***

على أنّ ذلك كلّه لا يعفي الناشطين والإعلاميين والشبابَ عامةً من خارج الفصائل من الوقوف أمام مسؤوليّاتهم، هم أيضًا، فيفكّرون في الطريقة الأجدى لإسناد شعبهم وتوسيع رقعة فعلهم؛ بحيث لا يبالغون في قدرتهم الذاتيّة، ولا يذهبون بعيدًا في نقدهم وردود أفعالهم إلى حدود استجلاب التدمير الذاتيّ، خالطين الحابلَ بالنابل، سواءٌ في الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعيّ.

فنزعاتُ المزايدة والمغامرة والتهوّر والصراخ الأجوف إنّما هي صنوٌ للتخاذل والتراجع والقعود... والخيانة أحيانًا. وسيرورةُ العمل الوطنيّ الفلسطينيّ المديدة تؤكّد أنّ مسألة بروز قيادة ثوريّة وواقعيّة في الآن نفسه ليست مستحيلةً في أيّ وقت، على الرغم من العوائق والإحباطات.

***

باختصار، وفي ما يخصّ "وقفةَ بيروت" ويتعدّاها أيضًا، فإنّ المطلوب مراجعةٌ نقديّةٌ صريحة من قِبل الجميع: أولُا من قِبل الذين أهدروا مالَ الشعب الفلسطينيّ وجَمعوا وحَشدوا في بيروت من أجل شخص "الرئيس" (المنتهي الصلاحيّة) في رام الله، لا من أجل شعب مكافح وحقوق أصيلة وقضيّةٍ عادلة؛ وثانيًا من قِبل الذين أراحهم "اللاموقفُ" فآثروا التفرّجَ على الأحداث وهي تمرّ أمامهم، فغدوْا على هامش الفعل الثوريّ الوطنيّ الفعليّ؛ وثالثًا من قِبل المثقفين الوطنيين الثوريين الحقيقيين كي لا يتركوا الساحة للانتهازيين والغوغائيين والزاعقين والمزايدين.
 

برلين

خالد بركات

كاتب عربيّ من فلسطين المحتلّة ويقيم في الخارج.