*المثقف والتطبيع في لبنان: البيئة، والمزاعم، والردود المحتملة
10-11-2020

 

ملاحظة تمهيديّة

"المثقّف" الذي نعنيه هنا ليس الشخصَ المتعلِّم، مهما علت شهاداتُه أو منصبُه الأكاديميّ، بل نعني حصرًا "المثقفَ العموميّ" المعنيَّ بقضايا التحرّر الوطنيّ والقوميّ والاجتماعيّ. وعليه، فإنّ ما يحدِّد هذا المثقَّفَ ليس علمَه، بل توظيفه إيّاه في الشأن الحركيّ العامّ. وهذا المثقّف، في رأيي، تراجعتْ مكانتُه كثيرًا في لبنان بعد تضعضع الحركة الوطنيّة اللبنانيّة وخروجِ المقاومة الفلسطينيّة من لبنان عقب الاجتياح الإسرائيليّ صيفَ العام 1982. ففي بلدنا نما المثقفُ العموميُّ، بالمعنى أعلاه، على ضفافِ الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة، أو في قلبِ نضالاتها، السياسيّةِ والنقابيّةِ والاجتماعيّة. ولا يقلِّلُ من هذا الاستنتاج وجودُ مثقّفين عموميّين في لبنان اليوم، ضمن منابرَ وطنيّةٍ وقوميّةٍ بشكلٍ خاصّ، أو على شكل مدوِّنين ومغرِّدين وفسابكةٍ دائمي الحضور والمشاركة. لكنّ "المثقف العموميّ،" كي ينتعشَ ويتحوّلَ إلى حالةٍ عامّةٍ مؤثِّرة، شبيهةٍ بحالة حسين مروّة أو مهدي عامل أو سهيل إدريس أو جوزيف سماحة أو ناجي العلي على سبيل المثال لا الحصر، يحتاجُ إلى بيئةٍ سياسيّةٍ حاضنة، لا تتوفّر اليومَ بالزخمِ الذي كانت عليه بالأمس، وذلك بسبب تراجع دوْر المنابر الثقافيّة التقدّميّة المستقلّة عمومًا، واتحادِ الكتّاب اللبنانيّين وأمثالِه خصوصًا، أو بسبب إغلاقها؛ والأهمّ بسبب انهيار الحامل السياسيّ لهذا المثقّف: المشروع الوطنيّ والقوميّ التقدّميّ.

 

البيئة الحاضنة للتطبيع

مثلما أنّ المثقّفَ العموميّ، بالمعنى المذكور، يحتاج إلى بيئةٍ وطنيّةٍ حاضنةٍ ترعاه كي يُزْهِرَ ويزدهِر، فإنّ التطبيعَ يحتاج هو أيضًا إلى بيئةٍ حاضنةٍ، لكنْ بالمعنى النقيض طبعًا. وقد توافرتْ، للجمهور العربيّ واللبنانيّ، مقوِّماتُ هذه البيئة، وأبرزُها على الصعيد السياسيّ والعسكريّ: اتفاقيّاتُ "السلام" مع العدوّ، بدءًا بكامب ديفيد الساداتيّة؛ وهزيمةُ المقاومة الفلسطينيّة وحلفائها في لبنان صيفَ العام 1982؛ وانهيارُ الحاضنة الدوليّة الاشتراكيّة في نهاية الثمانينيّات من القرن الماضي؛ واحتلالُ العراق سنة 2003؛ وتراجعُ القوى الوطنيّة والقوميّة والتقدّميّة في مختلف أقطار الوطن العربيّ.

انعكستْ سلسلةُ الانهيارات السياسيّة والعسكريّة هذه على الصعيد الثقافيّ الفكريّ، كما هو متوقّع. وكان من أبرز نتائج هذه الانهيارات:

1 - إنزالُ القضيّة الفلسطينيّة عن عرش الأولويّة، خصوصًا بعد أحداث "الربيع العربيّ" (نهاية العام 2010 -...) التي أعلتْ من شأن الخلاص من الاستبداد الداخليّ فوق كلّ شأنٍ آخر.

غير أنّ الأمرَ لم يقتصرْ على ذلك. بل لم يَلْحظ خطُّ هذا الربيع، عمومًا، وجوبَ تلازمِ مقاومة الاستبداد الداخليّ وتحريرِِ فلسطين، ما دام راعي الاستبداد، في حالاتٍ عربيّةٍ كثيرةٍ على الأقلّ، هو راعي الكيان الذي يحتلّ فلسطينَ أيضًا، عنيْنا الولاياتِ المتحدة. وبلغ الأمرُ ببعض "ديمقراطيّي" هذا الربيع حدَّ السخرية من "البوصلة" الفلسطينيّة، واعتبارِها محضَ شمّاعةٍ للاستبداد العربيّ؛ وكأنّه يستحيل أن يَطْرحَ شعارَ "تحرير فلسطين" إلّا نظامٌ دمويٌّ من أجل تبرير قمعِ شعبِه، ولتجنّبِ القيام بأيّ تغييرٍ داخليّ. وبذلك، تَرسَّخَ في أذهان بعض العرب، خصوصًا الشباب الصاعد، تلازُمُ شعار "تحرير فلسطين" وبقاءِ الاستبداد.[1]

على أنّ شعارَ "مقاومةُ التطبيع،" حين يتحوّل إلى ذريعةٍ لممارسة الاستبداد وكمِّ الأفواه، يُسْهم هو أيضًا في تنفير الناس (وضمْنَهم الشباب) من تلك المقاومة ومن مثقّفيها. يقول الكاتبُ السوريّ نبيل سليمان: "التركيع هو السبيلُ الأمثلُ للتطبيع، ونفيُ الاختلاف والتعدّد هو سببُ هزال شعار ’مقاومة التطبيع‘."[2] والحال أنّ الأنظمة المعادية للكيان الصهيونيّ أخفقتْ في أن تجعلَ هذا الشعارَ شعارًا جماهيريًّا جذّابًا يمكن أن تعتنقَه غالبيّةٌ توّاقةٌ إلى الحريّة والخلاص من الفساد، فأسهمتْ في مماهاته بها وبتبريراتها وحججِها غير المقْنعة.

والأمر عينُه ينطبق على بعض القوى غير الرسميّة المناهضة للتطبيع؛ فهذه، باستثناءاتٍ مشرِّفة، لم تستطع أن تُشِيعَ ثقافةً للمقاومة والمقاطعة تخترقُ المدارسَ والجامعاتِ والنقاباتِ والنواديَ الثقافيّةَ وغيرَها، وأن تتحدّى الثقافةَ النيوليبراليّة الأنجيأوزيّة "المائعة" التي باتت الإطارَ العامّ الذي يَنْظم التطبيعيّين العربَ على اختلاف مشاربهم، يمينًا و"يسارًا تائبًا" ووسطًا. وفقد الناسُ ثقتَهم بالعديد من مثقّفي الأحزاب الوطنيّة والقوميّة والتقدميّة، الذين نقلوا البندقيّةَ من كتفٍ إلى كتف، فأضعفوا ثقةَ الناس بمبدأ المقاومة الثقافيّة من أساسه، وضمنه المقاطعةُ ومناهضةُ التطبيع.

ولا شكَّ في أنّ الإفسادَ الماليّ الذي مارستْه أنظمةُ النفط أغرى هؤلاء المثقّفين بالتخلّي عن ماضيهم والانضواءِ في معسكر النفط. وهو ما شكّل أرضيّةً ملائمةً لنموّ نزعاتٍ معاديةٍ للمقاومة ومناهضةِ التطبيع، مثل اليأس والانطواءِ و"الواقعيّة" والرغبةِ في الهجرة الدائمة.

2 - على أنّه، قبل إنزالِ فلسطين عن عرش الأولويّة بعقودٍ عديدة، بل قبل تراجُعِ المدِّ القوميّ والمثقّفِ القوميّ، كانت قد برزتْ داخل عددٍ من الأقطار العربيّة نزعاتٌ فكريّةٌ تنادي بـ"خصوصيّةٍ" حضاريّةٍ ما، فرعونيّةٍ أو فينيقيّةٍ أو غيرِ ذلك، وتروِّج فكرةَ الانتماء إلى أوروبا وإلى الغرب عمومًا، بحيث بدا كلُّ شأنٍ عربيّ - بما في ذلك الصراعُ مع "إسرائيل" وتحريرُ فلسطين - نشازًا عن هُويّةٍ أصليّةٍ مزعومةٍ لتلك الأقطار.

لقد كان فكرُ الانعزال خلفيّةً ملائمةً لـ"التسوية" مع العدوّ، ثمّ للتطبيعِ معها. ولا عجبَ أنّ اتفاقيّةَ كمب دايفيد، التي هي المحطّةُ الأولى في مسار التطبيع الرسميّ العلنيّ، قد حظيتْ بتأييدِ مثقفين جُلُّهم من المعادين لفكرة الانتماءِ العربيّ. يصرِّح الدكتور حسين فوزي، في مؤتمرٍ صحافيٍّ عقده في حيفا تحت الاحتلالِ الإسرائيليّ، بعد قبوله دعوةً من جامعتِها في خريف العام 1978، بأنّ "الفراعنةَ لم يكونوا عربًا، وكذلك الشعب المصريّ،" زاعمًا أنّ الرئيس جمال عبد الناصر "لم يأخذ التاريخَ بعين الاعتبار."[3] كما تُذكّرنا الدكتورة رضوى عاشور بأنّ توفيق الحكيم، المعتدَّ بمصريّتِه "المتحضِّرة" على حساب العروبة "المتخلّفة،" قد بعث برسالةٍ إلى الرئيس أنور السادات في 6/5/1979، أيْ بعد شهورٍ من توقيع كمب ديفيد، جاء فيها:

"تحيّةً لموقفكم الراسخ أمام الأقزام. لقد أفزعَهم صلحُ الفئتيْن المتحضِّرتيْن [المقصود مصرُ الفرعونيّة و"إسرائيل"] بعد اطمئنانهم إلى ضعفِ مصرَ لتذلَّ تحت أقدامِهم. ما لهم وجهلَهم سرَّ المقاطعةِ والتخريب، وخوفَهم من قومةِ مصرَ من الصلح، لأنّهم يريدونها منهَكةَ القوى بالحروب، لتستنجدَ بهم وتتملّقَهم، فيحتقروها. إلى الامام نحو الكرامةِ والحضارة. وخطوةٌ من المتحضِّرين نقابلها بخطوتيْن. ولن ترجعَ مصرُ مع المتخلّفين للوراء. فالتقدّمُ دائمًا لمصر المتحضِّرة [!]"[4]

 

تُذكّرنا عاشور أنّ توفيق الحكيم أيّد كمب ديفيد قائلًا: "أفزعَهم صلحُ الفئتيْن المتحضِّرتيْن!"

 

لقد انطلق التطبيعُ الثقافيُّ العربيّ، وإنْ ببطءٍ ورموزٍ قليلة، بدءًا بكمب ديفيد الساداتيّة. لكنّه استند، فعليًّا، إلى انقضاض السادات، بعد انقلاب مايو 1971، على منظومة قيم العروبة والمؤسَّسات الوطنيّة، لصالح وضع كلِّ أوراق مصر في سلّةِ الولايات المتحدة عالميًّا، ولصالحِ ما أسمته عاشور "النهبَ والإثراءَ الفاحشَ في غمضة عين" على المستوى الداخليّ.[5]

3 - لكنْ، إذ نتناول الآن البيئةَ التاريخيّةَ الحاضنةَ لمناخ لتطبيع في لبنان تحديدًا، فإنّه لا يجوزُ إغفالُ حقيقةٍ تاريخيّةٍ عنيدة، وهي أنّ الحربَ الأهليّة اللبنانيّة (1975-1990) شهدتْ تحالفَ قسمٍ من اللبنانيّين مع العدوّ الإسرائيليّ، ضدّ الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة. طوال تلك الحرب، راجت في لبنان فكرةٌ خطيرةٌ، هي أنّ "إسرائيل" يمكن أن تكون حليفًا - ولو ظرفيًّا - لبعض اللبنانيّين في مواجهة الفلسطينيّين الذين "يريدون التوطينَ في لبنان،" ولمواجهة "المدّ الشيوعيّ" فيه. وانخرط آلافُ اللبنانيين في التدرّب على السلاح في الكيان الإسرائيليّ، وفي حملِ سلاحه، وفي التواصل مع الإسرائيليين. بل وصل الكتائبيّ بشير الجميّل إلى رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة على ظهر الدبّابات الإسرائيليّة صيفَ العام 1982، على إثر كسرِ شوكةِ المقاومة الفلسطينيّة وحلفائها. وبعد شهور، في 17 أيّار 1983، جرى التوقيعُ على اتفاق سلامٍ بين لبنان والعدوّ بـ"رعاية" أميركيّة (الأميركان "رُعاة خيْرٍ" دائمًا، منذ ذلك الوقت). وانتشر تنظيرٌ واهٍ لمحاسن هذا الاتفاق، ولـ"صلابةِ" الوفدِ اللبنانيّ المفاوض، ومن خلفه الرئيس أمين الجميّل ووزيرُ خارجيّته، إيلي سالم. صحيح أنّ هذا الاتفاق لم يصمدْ سوى شهور، لكنّه أرسى على مستوى التطبيق إمكانيّةَ عقد "سلامٍ" بين لبنان وعدوٍّ يحتلٌّ (وما يزال) جزءًا من أرضه وأرضِ سوريا وكاملَ فلسطين.

 

اتفاقيّاتُ السلام والتطبيع

كلُّ اتفاقيّات السلام مع العدوّ، وما تلاها من "اتفاقيّاتِ تعاون،" نصّت على التطبيع الثقافيّ والإعلاميّ.

ففي مصر، تبعت التوقيعَ على كمب ديفيد اتفاقيّاتُ تعاونٍ في مجالات الثقافة والتربية والعلوم. وحصلتْ زياراتٌ متبادلةٌ للمثقّفين والعلماء (إيتامار رابينوفيتش، يائيل دايان، حسين فوزي، ...). وجرى تعديلٌ خطيرٌ في مناهج التعليم.[6]

وفي لبنان، نصّ اتفاقُ 17 أيّار 1983، في مادّتِه الخامسة، على امتناع لبنان و"إسرائيل" عن "أيّ شكلٍ من أشكال الدعاوة المعادية للفريق الآخر." لكنّ المقاومة العسكريّة والشعبيّة اللبنانيّة، بدعمٍ سوريٍّ وفلسطينيٍّ كبير، دفع الحكومةَ اللبنانيّةَ إلى إلغاء هذا الاتفاق، كما ذكرنا، في 5/3/1984.[7]

وأمّا في الأردن، فقد نصّت المادّةُ العاشرةُ من اتفاقيّة وادي عربة مع العدوّ (1994) على "ضرورة التبادل الثقافيّ والعلميّ في كافّة الحقول، ويتّفق الطرفان على إقامة علاقاتٍ ثقافيّةٍ طبيعيّةٍ بينهما. وعليه، فإنّهما يقومان - بأسرع وقتٍ ممكن... - باختتام المفاوضات حول الاتفاقات الثقافيّة والعلميّة."[8]

غير أنّ اتفاقَ أوسلو (1993) بين منظّمة التحرير الفلسطينيّة والعدوّ الصهيونيّ قد كان، في واقع الأمر، هو المسمارَ الأعظمَ الذي دُقَّ في جدار المقاطعة الرسميّة العربيّة، بل خلخل المقاطعةَ الشعبيّةَ العربيّة (غيرَ المنظّمة) نفسَها. فبعده، استسهلَ التطبيعَ عددٌ متزايدٌ من الناس، وشعارُهم "وهل تريدوننا أن نكونَ ملكيّين أكثرَ من الملك؟!" وانتعش قاموسٌ من المصطلحاتِ والتعابير، أبرزُها: الواقعيّة، والانفتاح، و"التواصلُ مع المجتمع الإسرائيليّ" (هناك لجنةٌ فلسطينيّةٌ بهذا الاسم يرأسها عضوٌ في اللجنة المركزيّة لحركة فتح، السيّد محمّد المدني). وبين أكثر التعابير التي لجأ إليها أنصارُ التطبيع لتبرير الزياراتِ العربيّةِ إلى فلسطين تعبيران:

- "زيارةُ السجين لا تعني التطبيعَ مع السجّان."[9] وهو تعبيرٌ منسوبٌ إلى المرحوم فيصل الحسيني لتشجيع العرب على زيارة القدس؛ وكأنّ أخذَ الإذن أو التصريح من سلطات الاحتلال بزيارتها ليس تطبيعًا مع هذا الاحتلال!

- "كسْرُ العزلة عن المجتمع الفلسطينيّ."[10] الجدير ذكرُه أنّ قسمًا كبيرًا من الفلسطينيين أنفسِهم يرفض تلك الزيارات، على ما بيّنتْ حوادثُ طردِ مصلّين خليجيّين من المسجدِ الأقصى وباحتِه، أو حالاتُ ذمِّ شعراء وفنّانين عربٍ أحيوْا أمسياتٍ شعريّةً (هشام الجخّ) أو عملوا على تصوير أفلامٍ (زياد دويري) في فلسطين المحتلّة عام 48.

وبعد كلّ الانهيارات الرسميّة والحزبيّة العربيّة لصالح قوى "الاعتدال" العربيّ، وبعد تصاعدِ المدّ الفكريّ النيوليبراليّ المحمول على أجنحة بعض المنظّمات غير الحكوميّة، خصوصًا عقب انهيار المعسكر الاشتراكيّ، تطوّر القاموسُ الجديدُ ليستدخلَ مصطلحاتٍ (معظمُها مترجمٌ إلى العربيّة) تعبِّر جميعُها عن انتصار الرأسماليّة وأفولِ سرديّاتِ المقاومة والتحرّرِ والعدالةِ الاجتماعيّة، مثل: موت الإيديولوجيا، وموت المثقّف، وموت القوميّة العربيّة، وموتِ الاشتراكيّة... ومِيتاتٍ أخرى لا حصرَ لها.

زبدةُ القول: إنّ أرضيّةَ التطبيع الفكريّة في لبنان كانت أرضيّةً خصبةً، مَهّدتْ لها الهزائمُ العسكريّةُ اللبنانيّةُ والفلسطينيّةُ والعربيّةُ، واتفاقيّاتُ "السلام" و"التعاون" مع العدوّ، وسقوطُ المعسكر الاشتراكيّ. وقد رَوّج التطبيعَ مثقّفو الواقعيّة والاعتدال وإعلاميّو النفط العربيّ؛ وموّله هذا النفطُ وبعضُ المنظّماتِ الدوليّة غير الحكوميّة؛ وشوّه مقاومتَه مَنْ رَبط بين هذه المقاومة والاستبداد الداخليّ؛ ولم يتعاملْ معه بالجدّيّة والمعرفة المطلوبتيْن بعضُ المثقّفين الوطنيّين والتقدّميين أنفسِهم.

 

أوهامُ التسوية والتطبيع تبلغ شرائحَ جديدةً

تدريجيًّا، بعد اتفاقيّات كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة بشكلٍ خاصّ، بلغ تضعضعُ المقاومة الثقافيّة العربيّة للمشروع الصهيونيّ شرائحَ كانت تُعرف تقليديًّا بمعاداته، إلى درجةِ أن تساءل الكاتبُ السوريُّ الراحل هاني الراهب: "بعد أن يتمّ استتبابُ السلام في الشرق العربيّ، ما الحكمةُ في أن تظلَّ الثقافةُ في حالة حرب؟"[11] وهذه مقولةٌ كان يُتوقّعُ من روائيٍّ وكاتبٍ عريقٍ في تمرّده كهاني الراهب أن يُدْليَ بنقيضِها ليقولَ مثلًا: إذا تمّ استتبابُ الاستسلام الرسميّ في الشرق العربيّ، فما جدوى الثقافة إنْ مشتْ في رِكابِه؟

وفي العام 1994، ألقى الشاعرُ الكبير أدونيس كلمةً في غرناطة، ضمن مؤتمرٍ حضره مثقّفون إسرائيليّون بعنوان "السلامُ وما بعدَه،" جاء فيها:

"السؤال الذي يجب أن يُطرحَ على إسرائيل... هو التالي: هل ستعطي إسرائيلُ لليهوديّة بُعدًا ثقافيًّا يتطابق مع انتمائها الجغرافيّ، ومع خصائصِ التمازج والتنوّع في ثقافة المنطقة التي تنتمي اليها، فنرى فيها مثلًا زواجًا مختلطًا وتعليمًا مفتوحًا، ونرى فيها... وزيرًا مسيحيًّا أو مسلمًا لا بوصفه يمثّل أقلّيّةً بل بوصفه يمثّل إسرائيلَ كلَّها كما كان الشأنُ في التاريخ العربيّ-الإسلاميّ بالنسبة إلى اليهوديّ والمسيحيّ، وكما هو الشأنُ حاليًّا في المملكة المغربيّة؟"[12]

أسئلةُ أدونيس تفترض إمكانيّةَ أن يتحوّلَ كيانٌ ارتكزَ، وما زال إلى اليوم مرتكِزًا، على الاحتلال والتهجير والعنصريّة والقتلِ والنزعة التفوّقيّة، في اتجاه الديمقراطيّة والتعايشِ والاختلاطِ والمساواةِ والتنوّع. هنا قد يتساءل المرءُ: وما علاقةُ هذا بالتطبيع؟ علاقتُه، في رأينا، أنّه يطبِّع في أذهانِ الناس احتمالَ أن يصبح هذا الكيانُ، في يومٍ ما، كيانًا ديمقراطيًّا مرغوبًا. فأسئلةُ أدونيس، في حدِّ ذاتها، تستبعد المقاومةَ والمقاطعةَ الهادفتيْن إلى تقويض هذا الكيان، المبنيِّ على خطيئةٍ أصليّةٍ، مقدِّمةً للوصول إلى كيان ديمقراطيّ حرٍّ على أنقاضه. بكلامٍ آخر، أسئلةُ أدونيس تَسْتبطن الترحيبَ بـ"إسرائيل" بعد "تحوّلها" نحو الديمقراطيّة والتعايش، وكأنّ هذا التحوّلَ ممكنٌ أصلًا على الرغم من أنّ وجودها نفسَه بُنِي على استبعاد الديمقراطيّة والتعايش، وعلى الرغم من خطاياها المستمرّة من دون أدنى انقطاع منذ نكبة العام 1948.

 

أسئلةُ أدونيس في غرناطة تستبطن الترحيبَ بـ"إسرائيل" بعد "تحوّلها" نحو الديمقراطيّة

 

وقتَها، حاول أدونيس الدفاعَ عن حضور ذلك المؤتمر وإلقاءِ كلمةٍ فيه بالقول إنّ ياسر عرفات نفسَه قد حضره. هنا وقع أدونيس في خطأ آخر، إذ متى كان يُفترض بالمثقّف "الحداثيّ" أن يَتْبع القيادةَ السياسيّةَ، خصوصًا حين تتراجع عن مبادئها الأولى، شأنَ قيادة منظّمة التحرير الفلسطينيّة التي كانت قد وقّعتْ على اتفاق أوسلو قبل شهورٍ فقط من مؤتمر غرناطة؟ ومتى كان الفكرُ الحداثيّ، في التنظير الأدونيسيّ على الأقلّ، جاريةً في خدمة السلطة، لا ميدانًا لاجتراح سُبُل تجاوزِها والخروجِ من الواقع المأزوم؟

 

التطبيع في لبنان: المزاعم... والردود المحتملة

في لبنان، يَجهد عدد من الكتّاب التطبيعيّين[13] في تقديم مزاعمَ لتبرير التطبيعِ والتواصلِ مع كيان العدوّ، ولتشويهِ مناهضة التطبيع في الوقت نفسه. أبرزُ هذه المزاعم:

1) الزعم أنّ الثقافة لا يمكن أن تقاوم المخْرزَ السياسيّ. يقول التطبيعيّون إنّ العالم العربيّ يسير في تيّار التطبيعِ والتسوية، فلا جدوى إذًا من المواجهة، خصوصًا مع وجود قيادةٍ أميركيّةٍ جديدة (ترامب) تخرُّ أمامَها مشايخُ النفط.

هذه الحجّة يَسُوقها مثقّفون لا يؤْمنون، أو لم يعودوا يؤْمنون، بدورِ الثقافة في المواجهة. وهي، أي الحجّة، استكمالٌ للهزيمة العسكريّة والسياسيّة، لأنّها تسحبها إلى حيِّز الوجدان، وتسلِّم بها قدرًا محتومًا لا رادَّ له. أمّا مناهضو التطبيع فيروْن أنّ مبرِّرَ وجود الثقافة والمثقّف إنّما هو مواجهةُ الواقع المهزوم، وأنّ هذه المواجهة هي العاملُ الرئيسُ للخروج من هذا الواقع.

2) الزعم أنّ معرفةَ العدوّ تقتضي التواصلَ المباشرَ معه. وهذا الزعم يستند إلى مقولةٍ صحيحةٍ ومُثْبتَة، هي "اعرفْ عدوَّك،" ما يُوهِم أنّ الزعمَ نفسَه صحيحٌ ومُثبَت. والواقع أنّه كلامُ حقٍّ يُراد به باطل. فبمقدورنا أن نعرفَ نتاجَ العدوّ، السينمائيَّ والأكاديميَّ والشعريَّ والروائيَّ والسياسيَّ...، من دون الذهابِ إلى الكيان الصهيونيّ، ومن دون الحوار مع الإسرائيليّين المحتلّين، خصوصًا مع تقدُّمِ وسائل المعرفة وانتشارِ القرصنة الإلكترونيّة. بل ذهبتْ حملةُ المقاطعة في لبنان إلى حدّ دعوة المقاومة والأحزاب الوطنيّة إلى إنشاء أنديةٍ خاصّةٍ لدراسة إنتاج العدوّ مقرصَنًا أو مصوَّرًا، ضمن أطرٍ موجَّهةٍ من قِبل نقّادٍ وباحثين وطنيّين، يبيِّنون فيها مقولاتِ العدوّ وحججَه وأضاليلَه، مستخدمين أدلّةً تبتعد قدْرَ الإمكان عن الغوغائيّة والشعاراتِ المستهلَكة. المهمّ ألّا يؤدّي الاطّلاعُ على إنتاج العدوّ إلى إفادتِه، مادّيًّا أو عبر الإيهام بكسر "الحاجز النفسيّ" معه.[14]

3) الزعم أنّ الزيارات العربيّة المباشرة إلى فلسطين المحتلّة تُسهم في كسْر عزلة الفلسطينيّين هناك. سنتجاهل "شوقَ" هؤلاء الزاعمين إلى التواصل مع الفلسطينيّين، بما يتجاوز القانونَ اللبنانيَّ وبعضَ القوانين الرسميّة العربيّة الأخرى، ونتساءل مع إحدى المناضلات المقدسيّات:

"أليس هناك بديلٌ من التطبيع إلّا العزلةُ عن العرب؟ الجواب أنّ في مقدورنا اليوم، بفضل الثورة التكنولوجيّة، التواصلَ مع الأشقّاء العرب عبر وسيلة الفيديوكونفرس أو غيرِها من وسائل التواصل الاجتماعيّ، أو من خلال اللقاءات المباشرة في دولٍ أخرى..."

وتضيف المثقّفةُ المقدسيّة (التي امتنعتْ عن نشر اسمها تفاديًا لبطش الاحتلال):

"إذا كان الثمنُ الأوحدُ للتواصل الفلسطينيّ (الجسديّ) المباشر مع الفنّانين والموسيقيّين والسينمائيّين والشعراءِ والمثقّفين والرياضيّين العرب هو التطبيعَ مع الاحتلال، فإنّنا نستطيع الاستغناءَ عن ذلك النوع من التواصل برمّته. هكذا نحافظ على كرامتنا وكرامتهم، وعلى قوانينِ بلادِهم إذا كانت ضدّ التطبيع، وعلى احترام حملات المقاطعة العربيّة لهم ولنا!"[15]

وتذكّر الكاتبة بأنّ الفلسطينيّ داخل فلسطين، في مرحلة السبعينيّات والثمانينيّات، "كان يُنشد أغاني فرقة العاشقين ومارسيل خليفة وأحمد قعبور والشيخ إمام، ويردِّد قصائدَ أحمد فؤاد نجم ومظفّر النوّاب ومحمود درويش، ويشتعل إصرارًا على تحدّي المحتلّ الصهيوني، من دون أن يَحْضر أيٌّ من أولئك الفنّانين أو الشعراء جسديًّا إلى فلسطين."

4) الزعم أنّ "إسرائيل" ليست أشنعَ من سوريا وإيران، ومِن ثمّ فإنّ التطبيعَ معها منطقيٌّ ويجب أن يكون مباحًا، بل هو مبرَّرٌ أكثر من تطبيع العلاقات مع سوريا وإيران. هذا الزعم، الذي يتكرّر على وسائل التواصل الاجتماعيّ، يتجاهل الفارقَ الهائلَ بين معاداة نظامٍ، ضمن ظروفٍ معيّنةٍ، من جهة؛ ومعاداةِ كيانٍ في كلّ الظروف، وأيّا كان "نظامُه" الحاكمُ، من جهةٍ ثانية. التطبيعيّون (والمطبِّعون) يميِّعون الموقفَ الرافضَ لوجود "إسرائيل" من أساسها، مستغلّين وجودَ حالة رفضٍ معيّنةٍ، لبنانيّةٍ وعربيّةٍ وعالميّة، للنظاميْن المذكوريْن، خصوصًا بعد نشوء الأزمة السوريّة (2011 - ...)، ليُسهِّلوا فكرةَ التطبيع مع كيانٍ محتلّ وغيرِ شرعيّ، بصرف النظر عمّن تولّى أو سيتولّى الحكمَ فيه.

يتّكئ التطبيعيّون على المقارنات الرقميّة بين ضحايا "إسرائيل" وضحايا النظاميْن المذكوريْن، قتلى ومعتقلين وجرحى ومهجَّرين. لكنْ بدلًا من الاكتفاء بنقد النظاميْن معًا، أو حتى المطالبةِ بإسقاطِهما، فإنّ بعضَهم (خصوصًا في دولٍ خليجيّةٍ ذاتِ أنظمةٍ مواليةٍ للولايات المتحدة) يَجْهر بتفضيل "إسرائيل،" ويتغنّى بمحاسنِها ومزايا التطبيع معها. ولا حاجة إلى ذكر الأمثلة؛ فالتغريداتُ والمنشوراتُ الفيسبوكيّة واليوتيوبات في هذا الشأن معروفةٌ للقاصي والداني.

5) الزعم أنّ "مناهضة التطبيع" مفهومٌ انعزاليّ، وأنّ ناشطيه أصوليّون منغلقون متزمّتون. فلنأخذْ، مثلًا، مقالةً للصحفيّ اللبنانيّ حازم الأمين، يدين فيها حظرَ فيلم ستيفن سبيلبيرغ، ذا بوست، تحت عنوان: "كيم جونغ أونْ لبنان قرّر أنّ علينا مشاهدةَ نسخًا رديئة من فيلم ذا بوست" (الخطأ اللغويّ المريع في الأصل).[16] كتب الأمين مقالَه قبل أن يَسمح وزيرُ الداخليّة اللبنانيّ السابق نِهاد المشنوق بعرض فيلم سبيلبيرغ، على الرغم من أنّ جامعةَ الدول العربيّة كانت قد وَضعتْ أفلامَ هذا المُخرج على اللائحة السوداء بسبب تبرُّع مؤسَّسته بمليون دولار لـ"النازحين الإسرائيليّين من شمال إسرائيل" صيفَ العام 2006 هربًا من صواريخ المقاومة اللبنانيّة![17] و"كيم جونغ أون لبنان" ما هو إلّا كاتبُ هذه السطور. لكنْ بدلًا من أن يناقشَني الأمين نقاشًا أمينًا، فإنّه عمد إلى رميي بشتّى الأوصاف الأصوليّة، على المستوييْن الدينيّ والسياسيّ. إليكم المقطعَ الساخرَ الآتي:

"فما إنْ أنهيتُ مشاهدةَ الفيلم حتى لاح لي السيّد سماح إدريس، قائدُ حملة ’مقاومة التطبيع‘ في المشهد الوحيد الذي رأيتُه فيه في حياتي. كان السيّد إدريس هذا عابرًا في شارع بلِسْ، بمحاذاةِ الجامعةِ الأميركيّة في بيروت التي تَخرَّج منها، في صباح يومٍ مشمسٍ، ومصطحبًا كلبَه. ولو لم يشرْ لي صديقٌ أنّ هذا الرجلَ هو نفسُه إدريس، لكنتُ اعتقدتُ أنّه واحدٌ من شخصيّات أفلام سبيلبرغ نفسِه. فإدريس بحسبي، أو كما تخيّلتُه تبعًا لوظيفتِه، رجلٌ يعيب على نفسه رغبتَها في خلع الغطرة والثوب العربيّ. وهو، لشدّةِ خصومتِه أميركا، لا يطيق العبورَ أمام جامعتِها في بيروت. أمّا الكلبُ اللطيف الذي يصطحبه، فمن المفترض أن لا تأويه بيوتُنا بسببِ ما قد يُحْدثه من إفسادٍ لطهارةٍ أوصانا بها اللهُ ورسولُه..."

لا تخفى عليكم الخطّةُ التي يعتمدها الأمين بأسلوبه الساخر: مساواةُ مقاومة التطبيع مع "إسرائيل" بالأصوليّة الدينيّة والقوميّة. وهذه، لعَمْري، أشدُّ الخططِ كسلًا وبلادةً فكريّةً.[18] فالأمين لا يريد لقرّائه أن يَعْلموا أنّ مقاومي التطبيع يمكن أن يكونوا عَلمانيّين مثلًا، وأن يرتدوا ألبسةً "حديثةً" مثله (ما المشكلة في "الغطرة والثوب العربيّ" بالمناسبة؟)، وأن يتخرّجوا من جامعاتٍ أميركيّة، وأن يعيشوا مع حيواناتٍ أليفة.[19] فذلك كلُّه سيقوِّض الصورةَ الأصوليّةَ الكاريكاتوريّة التي لفّقها لهم هذا الصحافيُّ "الأمين،" عامدًا متعمِّدًا.

6) الزعم أنّ مقاومة التطبيع نوعٌ من الرقابة والاعتداء على حريّة التعبير. يكتب صحافيٌّ حداثويٌّ آخر، لا يقلّ تشويهًا للمقاطعة ومناهضةِ التطبيع عن حازم الأمين، ما يأتي:

"واللبنانيّون الذين يعانون، لا سيّما في مجالات الفنّ والسينما والأدبِ والأبحاث، الرقاباتِ الثقيلةَ الوطأةِ للطوائف الدينيّة، لا يحتاجون إلى رقابةٍ ثقيلةٍ أخرى مصدرُها صوابٌ آخر، صوابٌ لا يقلّ زعمًا للقدسيّة والكمال. وهذا فضلًا عن أثر الرقابة السلبيّ على جاذبيّة القضيّة الفلسطينيّة، إلى جانب أثرِها السلبيّ الآخر على موقع لبنان من العالم، وفي العالم، وعلى السويّةِ الإبداعيّة أو البحثيّة في لبنان نفسه..."[20]

مناهضةُ التطبيع مع الاحتلال لا علاقةَ لها البتّةَ بالرقابة على "السويّة الإبداعيّة أو البحثيّة،" اللهم إلّا إذا كان الإبداعُ والبحث لا يستويان إلّا بقبول الاحتلال، ومجاراتِه، والانصياعِ إلى "العالم" على حساب حقوقِنا الوطنيّةِ والقوميّة. وإنْ كان ثمّةَ "اعتداءٌ" فعلًا، فهو لا يعود إلى مقاومي التطبيع، وإنّما إلى المطبِّعين. ذلك أنّ هؤلاء يَعْتدون على التاريخ والحاضر، ويَعْتدون على مشاعرِ ملايين اللبنانيين والعرب، وضِمنهم عائلاتُ شهداءِ المقاومة وضحايا العدوّ الإسرائيليّ - تهجيرًا وتدميرًا وتعويقًا وأسْرًا.

كما أنّهم يَعْتدُون على "قانون مقاطعة إسرائيل" الصادر سنة 1955. هذا القانون، الذي تعود مرجعيّتُه إلى جامعة الدول العربيّة سنة 1950، وأقرّه لبنانُ بشكلٍ كامل، لم يُلْغِهِ المجلسُ النيابيُّ اللبنانيُّ منذ صدوره. وهو ينصُّ على الآتي:

"يحظَّر على كلِّ شخصٍ، طبيعيٍّ أو معنويّ، أن يَعقدَ، بالذاتِ أو بالواسطة، اتفاقًا مع هيئاتٍ أو أشخاصٍ مقيمين في إسرائيل، أو منتمين إليها بجنسيّتِهم، أو يعملون لحسابِها أو لمصلحتِها، وذلك متى كان موضوعُ الاتفاق صفقةً تجاريّةً أو عمليّاتٍ ماليّةً أو أيَّ تعاملٍ آخرَ أيًّا كانت طبيعتُه."

نحن لسنا من ممجِّدي أيِّ قانونٍ، بما في ذلك قانونُ العام 1955، الذي لا نريدُ تفعيلَه فحسب، وإنّما تطويرَه وتوضيحَه وتغليظَ العقوبات على مخالفيه أيضًا.[21] وقد اقترحت "الجمعيّةُ اللبنانيّةُ لدعم قانون مقاطعة إسرائيل" قبل أعوامٍ تعديلاتٍ على هذا القانون، ولا سيّما على المادّة الأولى المذكورة أعلاه، فباتت هذه المادةُ المقترحة على الشكلِ الآتي (التغييرات بالخطّ الكثيف):

"يحظَّر على كلِّ شخصٍ، طبيعيٍّ أو معنويّ، أن يَعقدَ، بالذاتِ أو بالواسطة، اتفاقًا مع هيئاتٍ أو أشخاصٍ مقيمين في إسرائيل، أو منتمين إليها بجنسيّتِهم، أو يعملون لحسابِها أو لمصلحتِها المادّيّةِ أو المعنويّة، وذلك متى كان موضوعُ الاتفاق صفقةً تجاريّةً أو عمليّاتٍ ماليّةً أو أيَّ تعاملٍ آخرَ ثقافيّ أو أكاديميّ أو علميّ أو تقنيّ أو سياسيّ أو رياضيّ، أيًّا كانت طبيعتُه. كما يحظَّر التعاملُ بالمطلق مع الفِرَق الفنيّة والأكاديميّة والعلميّة والتقنيّة والرياضيّة التي تقيم نشاطاتٍ في ’إسرائيل‘ أو تروِّج لها أو للصهيونيّة أو تؤدّي لهما خدماتٍ مادّيّةً أو معنويّةً."

على مَن يرفضون قانونَ العام 1955 لصالح "السويّة الإبداعيّة أو البحثيّة" كما يزعمون أن "يَقْنعوا" (ولو موقّتًا) بالاطّلاع عبر الإنترنت على أيّ عملٍ إسرائيليٍّ يحظّره القانونُ اللبنانيُّ، وأن يسعَوْا - إذا أرادوا - إلى تغيير هذا القانون بالطرق الديموقرطيّة التي صدعوا رؤوسَنا بها، بدلًا من أن يتّهموا مَن يلتزمُ هذا القانونَ بممارسة الرقابة، أو بأداء دوْر "المُخْبر الصغير،"[22] على ما ادّعى "ديمقراطيٌّ" متحوِّلٌ آخر لمجرّدِ أنّنا شكرنا (ضمن قائمةٍ من الأشخاص والوسائل الإعلاميّة) الأمنَ العامَّ ومديرَه، لقيامهما - في تلك الحالة - بواجبهما القانونيّ المفروض تجاه إحدى الحالات التطبيعيّة الفجّة والخطيرة، فمَنَعا فيلمًا من بطولة الجنديّة الإسرائيليّة وملكةِ جمال "إسرائيل" سابقًا، غال غادوت.[23]

7) الزعم أنّ مناهضةَ التطبيع مع العدوّ تعزِّز أجواءَ القمع الداخليّ. هذا الزعم لصيقُ الصلةِ بالزعم السابق. وهنا أيضًا لا صلةَ بين الموضوعيْن بالضرورة: فقد نكونُ، مثلًا، مع التطبيع وضدَّ حرّيّة المثليّين والمهمَّشين؛ أو قد نكون ضدَّ التطبيع ومع تلك الحرّيّة. الأهمّ أنّنا في الحاليْن، في مواجهة الظلم الداخليّ والاحتلال الخارجيّ، نقاوم الظلمَ مرّتيْن: مرّةً بالمطالبة بالسماح بتعبير المظلومِ عن حقّه، ومرّةً بالمطالبة بالحؤول دون تعبير الظالم عمّا يبرِّر به ظلمَه.[24]

8) الزعم أنّ مقاومي التطبيع (ومقاطعي "إسرائيل" عمومًا) انتقائيّون. هكذا يتساءل التطبيعيّون أو أعداءُ المقاطعة: لماذا يَنْشط مناهضو التطبيع ضدّ هذا الفيلم (أو الفنّانِ أو المؤتمر أو...)، لا ضدّ ذاك؟

إنّ أحدَ مبادئ حملة المقاطعة في لبنان هو: "قاطعوا ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا."[25] وهذا المبدأ يَهدف إلى تمكينِ أكبرِ عددٍ من الناس من الإسهام في عمل المقاطعة ومناهضةِ التطبيع، بدلًا من تحميلهم ما لا يطيقون حملَه في زمنٍ معيّنٍ وظروفٍ محدّدة.

ثمّ إنّ قدراتِ مناهضي التطبيع محدودة، مادّيًّا وبشريًّا، لأنّهم ليسوا حالةً جماهيريّةً واسعةً (شأنَ الأحزاب الدينيّة أو الطائفيّة مثلًا)، ولا يَتْبعون دولةً أو نظامًا أو حزبًا أو وسيلةً إعلاميّةً أو منظّمةً غيرَ حكوميّة. وهذا كلُّه يَفرض عليهم التركيزَ على حالاتٍ تطبيعيّةٍ دون غيرها في زمنٍ معيّن، والتصدّي للحالات الأخرى أو بعضِها بعد فترة. أليست هذه حالَ أيّ عملٍ في الشأن العامّ؟ لكنّ التطبيعيّين يبحثون عن أيّ "ثغرةٍ" للطعن في عمل مناهضي التطبيع، وللمزايدةِ عليهم، ولـ"إحراجهم" أمام الرأي العامّ؛ ولا يهدف رميُهم بـ"الانتقائيّة" إلى تجذير مواقفهم، ولا إلى توسيع بنك أهدافهم بالتأكيد.

9) الزعم أنّ مناهضي التطبيع يسيئون إلى "القضيّة" لأنّهم لا يُحْسنون التمييزَ بين الحلفاءِ والأعداء. هذا الزعم يكاد يكون قاسمًا مشتركًا بين خصوم المقاطعة، الذين يستسهلون اتّهامَ مناهضي التطبيع بالعشوائيّة والإقصائيّة والتخوين،[26] وبعجزهم عن اكتساب "أصدقاء جددٍ" إلى صفوف هذه القضيّة.

خذوا مثلًا دفاعَ أحدهم، مهنّد الحاج علي، عن أكاديميٍّ أميركيّ، هو جيف ماكماهان، تَعرَّضَ للمقاطعة والهجومِ (اللفظيّ) من طلّاب الجامعة الأميركيّة في بيروت سنة 2018. الصحافيّ اللبنانيّ يَستغرب أن يكون ماكماهان، الذي يَنشر، بحسب ادّعاء الحاج علي، "الإدانةَ تلو الأخرى للاستخدام الإسرائيليّ المفرِط للعنف...، هدفًا لمناوئي التطبيع بهذا الشكل، بدلًا من البناء على وجوده والاستفادةِ منه." بل يطرح الحاج علي نظريّةً غريبةً بعضَ الشيء: لو كان ماكماهان مؤيّدًا للاحتلال وسياساتِه فعلًا، "لَمَا زار بيروتَ وحاضر في جامعاتها أصلًا [!]"[27] 

لكنْ من المفيد أن يَعلم القرّاءُ أنّ مناهضي التطبيع في الجامعة المذكورة لم يُطْلقوا حكمَهم على ماكماهان بطريقةٍ عشوائيّة، وإنّما درسوا فرضَهم جيّدًا، خلافًا لمن انتقدهم. فقد اتّضح لهم أنّ ماكماهان مستشارٌ لقسم الفلسفة في الجامعة العِبْريّة، المبنيّةِ على أراضٍ مسروقةٍ من الشعب الفلسطينيّ.[28] وهم لاحقوا أقوالَه ومواقفَه السياسيّةَ الخاصّةَ بالصراع مع العدوّ الإسرائيليّ، ومنها: "أعتقدُ أنّه ينبغي التسليمُ بأنّ حربَ إسرائيل [على غزّة] دفاعيّةٌ، لا انتقاميّةٌ أو عقابيّةٌ في أهدافها. أوافقُ على انّ أهدافَ إسرائيل الأساسيّةَ هي منعُ اعتداءاتٍ صاروخيّةٍ إضافيّةٍ من غزّة، وتدميرُ الأنفاق التي مكّنت المقاتلين الفلسطينيّين من دخول إسرائيل وقتلِ جنودٍ إسرائيليّين أو خطفِهم."[29] وهو يَعتبر صواريخَ حماس على الاحتلال "إرهابًا متعمّدًا،" في حين يرى أفعالَ إسرائيل "أعمالَ حربٍ مشروعةً." بل هو يحمِّل أهلَنا في غزّة بعضَ المسؤوليّة عمّا يتعرّضون له من قتلٍ إسرائيليٍّ لأنّهم انتخبوا حركةَ حماس "الملتزمةَ مشروعًا من الهجمات الإرهابيّة."[30]

فهل، في حالة ماكماهان على الأقلّ (وهي غيْضٌ من فيْض)، لم يَعرفْ مناهضو التطبيع التمييزَ بين الأعداء والأصدقاء، كما زعم الحاج علي، وتبعه في ذلك حازم صاغيّة؟[31] أمْ أنّ التهمَ المعلَّبةَ جاهزةٌ كي تُرمى في وجههم من دون أدنى تدقيقٍ أو تمحيص؟

10) الزعم أنّ شهرةَ الإنسان، وتاريخَه الوطنيّ السابق، كفيلان بأن يعصماه من تهمة التطبيع اليوم. يقول خصومُ مناهضة التطبيع ما معناه: مَن أنتم، يا مقاومي التطبيع، كي تنتقدوا، ولو مجرّدَ انتقاد، عماراتٍ شاهقةً مثلَ أمين معلوف أو سعيد عقل أو زياد دويري؟ فكأنّ عظَمةَ الأدب أو الفنّ تَشْفع سقطةَ التحدّث إلى محطّةٍ تلفزيونيّةٍ إسرائيليّة في فرنسا؛[32] أو خطيئةَ الإشادة بـ"البطل" مناحيم بيغن والجيش "الإسرائيلياني"؛[33] أو خطيئةَ العيش في تل أبيب 11 شهرًا من أجل تصوير فيلم.[34]

 

مواقف بكري المعادية للاحتلال لم تمنع "المقاطعة" من تقصّي مواقفه الأخرى، كحصره العنصريّة بالصهيونيّة دون "إسرائيل"

 

وهذا ما نجده أيضًا في تعليق خالد صاغيّة على بيانٍ لحملة المقاطعة في لبنان عن الفنّان الفلسطينيّ محمد بكري. فهو يعتبر أنّ "تاريخَ بكري كلّه وإنتاجَه الفنيّيْن [كافيان] لتبرئته أمام المحاكم العرفيّة لمكافحي التطبيع."[35] والحقيقة أنّ بيانَ حملة المقاطعة أشاد ببكري الذي "قدّم أعمالًا مسرحيّةً وسينمائيّةً شكّلتْ إدانةً واضحةً لممارسات الاحتلال السائدة، [و]حَمل الوجعَ الفلسطينيَّ عاليًا، ونتيجةً لذلك تعرّض لغضبِ قطاعٍ واسعٍ داخل الكيان الصهيونيّ، ولاسيّما بعد اتّهام أفرادٍ من عائلته، وبينهم ابنُ أخيه، بالضلوع في عمليّة عسكريّة فلسطينيّة..." كما ذكّر البيانُ بأنّ بكري شهّر، عبر فنّه، "بالعدوانيّة والإجراميّة والعنصريّة الإسرائيليّة،" فتعرّض عملُه "لرقابة الكيان الغاصب وقضائه، ولغضب قسمٍ كبيرٍ من الرأي العامّ الإسرائيليّ، إلى حدِّ المطالبة بمقاطعة أعماله لكونه خائنًا لـ’إسرائيل‘ وشريكًا في ارتكاب ’الجريمة‘ التي اتُّهِم بها أفراد من عائلته..." لكنّ ذلك كلَّه لم يمنعْ حملةَ المقاطعة من تقصّي مواقفَ أُخرى لبكري، كما يجدر بأيّ هيئةٍ موضوعيّةٍ أن تفعل. ومن هذه المواقف قولُه إنّ "إسرائيل ليست مستوطنةً [بل] دولةٌ صغيرةٌ وجميلة [حين تكونُ] من دون مستوطنات"؛ وتمييزُه بين الحركة الصهيونية و"إسرائيل،" حاصرًا العنصريّةَ بالأولى وحدها![36]

10) الزعم أنّ مناهضة التطبيع تُمثّل عداءً لليهود. هذا افتراءٌ واضح، على الأقلّ بالنسبة إلى حملة المقاطعة في لبنان. فليس ثمّة بيانٌ واحدٌ من حملة المقاطعة في لبنان يمكن أن يُشتمَّ منه أيُّ عداءٍ لليهود كيهود. على العكس، تَعتبر الحملةُ أنّ تصويرَ الصراع العربيّ-الصهيوني وكأنّه صراعٌ دينيٌّ مقتلٌ للنضال الفلسطينيّ العربيّ الأمميّ. وهي تدين كلَّ مؤتمرات "الحوار بين الأديان" إذا كان هدفُها تقريبَ "إسرائيل" أو الصهيونيّة إلى الأذهان والقلوب.

 

خاتمة: كيف المواجهة؟

مواجهة مشروع التطبيع ممكنة، لكنّها تحتاج إلى مراكمة الإنجازات ولو بدت ضئيلةً، وإلى المعرفة المتجدّدة دومًا بالعدوّ وبطرق المقاومة المجْدية الجديدةِ والقديمة، وإلى الإيمان بقدرة شعبنا على مقاومة "إسرائيل" عقودًا أخرى. وهي تحتاج إلى تنسيق الجهود بين كافّة المقاطعين ومناهضي التطبيع في الوطن العربيّ والعالم، أيًّا كانت عقائدُهم ومشاربُهم، ما داموا لا يفرضونها على الآخرين بالقوّةِ والإكراه.

وتحتاج معركةُ مقاومة التطبيع إلى حشد كلّ عناصر قوّتنا، في الإعلام والأحزاب والجامعات والنقابات بشكلٍ خاصّ. وقد يكون مفيدًا أن نذكّر بوجود مثقّفين لبنانيّين، وإنْ لم يكونوا كثرةً، رفضوا الخضوعَ للاستزلام النفطيّ والتبعيّة للأنظمة.

ومن المفيد أيضًا أن نعْلم أنّ اللغةَ العربيّة، نفسَها، ضدّ التطبيع! فالتطبيع يوحي بالاصطناع، أيْ بجعلِ ما ليس طبيعيًّا يبدو طبيعيًّا. بل ذهب الكاتبُ المغربيُّ الراحل عبد الكريم غلّاب أبعدَ من ذلك، حين تقصّى ورودَ الكلمة في القرآنَ والمعجمات القديمة، فوجد أنّ كثيرًا من معاني الجذر (ط ب ع) تُحيل على الوسخ والعفن والدنس والنجاسةِ والدناءةِ والعيْب.[37]

وثمّة مفارقة مفيدة لنا أيضًا، وهي أنّ العدوّ، بتصلّبه وإجرامِه وعنصريّته، لا يقدّم الكثيرَ من "المحفِّزات" على التطبيع معه. ولا أدلَّ على ذلك من أنه صفع أولئك الفلسطينيّين والعربَ الذين يراهنون على إمكانيّة أن تصبحَ "إسرئيلُ" دولةَ "مواطنةٍ ومساواة" يومًا ما، إذ أقرّ الكنيست في تمّوز 2018 قانونًا محتشدًا بالطائفيّة والاستعلائيّةِ القوميّة، مؤكّدًا أنّ "إسرائيل دولةٌ للشعب اليهوديّ،" أيْ دولةٌ ليهودِها وليهودِ العالم أجمع، ولا مكانَ فيها لحقوق سكّان فلسطين الأصليّين.[38]

لدينا الكثيرُ من عناصر المواجهة، إذًا. ولدينا، في المقام الأول، شعبُنا في فلسطين، في القدس، في غزّة، في الضفّة، في المثلّث، في المَهاجر؛ شعبُنا الذي يمدُّنا كلَّ يومٍ بمقوّمات المواجهة ومقاومةِ التطبيع مع الجزّار.

بيروت

* أُلقِيتْ نسخةٌ مختصرةٌ من هذه المداخلة في مؤتمرٍ نظّمتْه حملةُ المقاطعة، واللقاءُ الوطنيّ ضدّ التطبيع في لبنان، ربيعَ العام الماضي. وقد جرى تنقيحُها بعضَ الشيء في أوّل نوفمبر من هذا العام (2020). ويودّ الكاتبُ أن يشكرَ الرفاقَ الآتية أسماؤهم (ألفبائيًّا) لملاحظاتهم القيّمة: خالد إبراهيم الراهب، خالد بركات، رامي سلامي، عُبادة كسر.

 


[1] الطريف أنّ كثيرين من "ديمقراطيّي الربيع" العاملين على ترسيخ هذا التلازم لا ينادون بالديمقراطيّة والتغيير الداخليّ إلّا مِن مشيخات النفط التطبيعيّة البوليسيّة، وبتمويلٍ مكشوفٍ من أنظمتها.

[4]المصدر السابق.

[5] المصدر السابق.

[6] تقارن رضوى عاشوركتابًا مدرسيًّا مصريًّا صدر سنة 1979 بطبعته الجديدة سنة 1980، فتلاحظ مثلًا تعديلًا في الفقرة الخاصّة بـ"عبور" أكتوبر 1973. ففي حين نصّت الطبعةُ الأولى على ما يأتي: "وانتصرتْ مصرُ، ولكنّ المعركةَ ما زالت مستمرّةً، وستظلّ كذلك ما دامت بعضُ المواقع محتلّةً يدنّسها الوجودُ الإسرائيليّ،" نصّت الطبعةُ الجديدةُ على الآتي: "وانتصرتْ مصرُ، وسعت إلى السلام من منطلق القوّة، وما زالت ساعيةً إليه، وستظلّ كذلك ما دامت مؤمنةً بتحقيق آمالها وآمالِ الأمّة العربيّة في سلامٍ عادلٍ وشامل [!]." وفي كتاب الجغرافيا المقرَّر على الصفّ السادس الابتدائيّ، حُذفت الفقرةُ الآتية: "تمكّن اليهودُ والصهاينة، بمساعدة الدول الاستعماريّة، من اغتصاب أرض فلسطين منذ عام 1948، وشرّدوا منها معظمَ أهلها العرب واستولوْا على ممتلكاتِهم. غير أنّ الفلسطينيّين وسائرَ العرب يعملون على تحرير الأرض وعودة الشعب الفلسطينيّ إلى وطنه." (مصدر سابق)

[13] كلّ مطبِّع تطبيعيٌّ، بمعنى أنه يقدّم حججًا لذهابه إلى فلسطين المحتلة أو للحوار مع الإسرائيليين مثلًا. أما التطبيعيّ فلا يَلزم أن يكون مطبِّعًا بالفعل، بالمعاني السابقة.

[14] جاء في وثيقة الحملة: "انطلاقًا من مبدأ ’اعرفْ عدوَّك،‘ فإنّ حملة المقاطعة لا ترى مانعًا في أن يشاهدَ الأفرادُ، أو أن تَعرضَ الأنديةُ المحلّيّةُ الخاصّة، أفلامًا إسرائيليّةً، أو داعمةً للعدوّ، أو مروِّجةً لديمقراطيّتة الزائفة، ولكنْ ضمن المحاذير الآتية: 1) أن تكون الأفلامُ المشاهَدة فرديًّا نُسخًا مقرصنةً (بحيث لا يستفيد العدوُّ أو داعموه منها مادّيًّا أو ترويجيًّا). 2) أن تأتي عروضُ الأندية الخاصّة ضمن إطارٍ موجِّهٍ ومنبِّهٍ وكاشِف، وفي سياق نقاشها بطريقةٍ نقديّةٍ تُسهم في فضح الاحتلال وأضاليله ونشرِ فكرِ المقاومة."

http://www.boycottcampaign.com/index.php/ar/wathika#m22

[18] من أدلّة كسله وبلادتِه الفكرّية أنّه لم يكلّفْ نفسَه عناءَ توثيق اسم حملتنا، وهو "حملةُ مقاطعة داعمي ’إسرائيل‘ في لبنان،" لا "حملةُ مقاومة التطبيع." وحملتُنا، بالمناسبة، لا "قائدٌ" لها ولا رئيس.

[19] لمزيدٍ من الإفادة: لم أتخرّجْ من الجامعة الأميركيّة في بيروت فحسب، بل من جامعة كولومبيا في نيويورك أيضًا. والحيوان الأليف الذي كنتُ أصطحبُه حين لمحني "الأمين" كان، للأمانة، كلبةً لا كلبًا. فاقتضى التنويه.

[20] حازم صاغيّة، https://daraj.com/11531/

[24] المصدر السابق.

[26] كتب عامر محسن: "قانون ’لا للتخوين‘ هو مفهومٌ طريفٌ لا وجودَ له، على حدّ علمي، خارج الثقافة السياسيّة اللبنانيّة." https://al-akhbar.com/Politics/239460

[29] And I think it should be granted that Israel’s war has been defensive rather than retaliatory or punitive in its aims. I accept that Israel’s main aims have been to prevent further rocket attacks from Gaza and to destroy the tunnels that have enabled Palestinian fighters to enter Israel to kill or abduct Israeli soldiers.

[31] حازم صاغيّة، مصدر سبق ذكره.

[35] خالد صاغيّة، مصدر سبق ذكره.

سماح إدريس

رئيس تحرير مجلة الآداب الورقيّة (1992 ـ 2012) والإلكترونيّة (2015 ـ...). له كتابان في النقد الأدبيّ، وأربعُ رواياتٍ للناشئة، وإحدى عشرة قصّة مصوّرة للأطفال، وعشراتُ الدراسات والمقالات والكتب المترجمة. عضوٌ مؤسِّسٌ في "حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان" (2002 ـ ...). ينتهي خلال أعوام من إنجاز معجم عربيّ  ضخم صادر عن دار الآداب.

كلمات مفتاحية