مأتم
04-02-2016

 

جلس على كرسيّ من الخيزران في مأتمٍ ما. أحسّ بضيقٍ في النفس. بدأ يفكّ أزرارَ قميصه، فإذا به يلاحظ أنّ حلمتيْ نهديْه ازدادتا بروزًا، لا بل إنّ نهديْه كليهما كبرا فجأةً وصارا طابتيْن مستديرتيْن. أعاد إقفالَ الأزرار بسرعة كي لا يلاحظ أحدٌ ما طرأ عليه.

أراد أن يبكي.

بكى، انتحب، وَلوَل.

نظر إليه الجالسُ بجانبه نظرةً لئيمةً قائلًا:

ـــ لمَ تضحك؟ نحن في مأتم، والميّت طفلٌ، أليس لديك إحساس؟!

أراد أن يشرح له، فلم يستطع أن يفتح فمَه أو يحرّك شفتيْه. ازداد نحيبُه. أسرع إثنان من أصدقائه إلى إخراجه بالقوّة من القاعة. أحسّ بمياهٍ تخرج من عينيْه. وصلتْ قطرة منها إلى فمه. تذوّقها. ليست مالحة كطعم الدموع،لا طعم لها.

دخل إلى سيارة صديقه المهترئة. جلس في المقعد الخلفيّ، في الوسط، بين أربعة رجالٍ لا يعرفهم. رائحة البخور الممتزج بالعرق تفوح منهم. أرجع رأسَه قليلًا ثم تطلّع بعدها إلى الأمام. حدّق في الضوء الأزرق الخفيف المنبعث من لوح السيّارة الأماميّ. رأى خيالاتٍ صغيرة لأطفالٍ يقومون بحركاتٍ بهلوانيّة، لأطفالٍ يمشون على خيطٍ رفيع، أيديهم ممدودةٌ إلى اليمين وإلى اليسار، يحدّقون في سقف القاعة، يرجفون.

علا التصفيق، صفّق الجمهور من دون توقّف لساعاتٍ، ربّما دقائق أو ثوانٍ.

أيقظه تصفيقُهم أمام مدخل بنايته.

دخل البيت منهكًا. خلع ثيابه. تحسّس نهديْه، أحسّ برعشةٍ غريبة لم يحسّها من قبل.

نقل يده بسرعة إلى قضيبه يريد أن يتأكّد من أنّه ما يزال في حجمه الطبيعيّ ولم يتقلص. تلمّسه، فأحسَّ به أكثرَ صلابة تحت يديه. ترك يده عليه ومدّ يده الثانية إلى صدره، ثمّ إلى حلمته الناتئة. أحسّ إحساسًا غريبًا، إحساسًا متناقضًا بين السيطرة والاستسلام.

تلذّذ بهذا الشعور، وظلّ واقفًا الوقفة ذاتها ثواني، وربّما دقائق. إلى أن انتفض نفضةً واحدة. تطلّع إلى الأرض ليزيل السائلَ الأبيض فإذا به يجد ماءً. لا وجود للسائل الأبيض.

بكى،انتحب، ولول.

ركض إلى المرآة. تطلّع إلى وجهه الأسود بعد أن ذاب الكحلُ من فوق جفنيه إلى خدوده. أحمر الشفاه وصل إلى وجنتيه أيضًا، فامتزج بالكحل ليصبح وجهه مشوهًّا من دون ملامح، أو تقاسيم، أو لون.

أحس بوجعٍ حادٍّ في بطنه. دارت به الأرض. أراد أن يتقيّأ. اقترب من حوض الحمام. زاغت عيناه. اقترب أكثر حتّى أصبح رأسه داخل ماء الحوض.

تقيّأ، تقيّأ لساعاتٍ، ربّما دقائق أو ثوانٍ. تقيأ ماءً، ماءً من دون طعم.

أُنهكتْ قواه. نام على أرض الحمّام عاريًا. يدٌ تحت بطنه، ويدٌ على صدره الذي أمسى أملسَ.

اطمأنّ. ارتسمت ابتسامة غريبة على شفتيه. ونام، نام لسنين، ربّما أيّام أو ساعات.

نسرين النقوزي

كاتبة قصّة من لبنان تقيم في كندا، خريجة جامعة الإعلام والتوثيق.