في يوم وفاة أبي*
24-04-2017

 

 

أبي: أيمن... أيمن... تعال ناولْني كأسَ ماءٍ ودواءَ الضغط.

أيمن: نعم أبي... هيّا...أنا قادم.

               ***

أبي هو مَن جعلني أصدّق أنّ المسيح حقًّا قام.

وأنا من صُلبتُ بدلًا منه.

               ***

قبل أن يموت أبي بيومين

كان قد ناولَني تفّاحةً مسمومة

وقال لي: لقد خبّأتُها لكَ

لأنّي أعلم أنّك تحبُّ التفّاح.

               ***

وبعد أن توفّي بيومين

أيقظني مرّةً لصلاة الفجر

رآني خارجًا للتوّ من حلمٍ مبلّل

ذهب إلى أمّي، وقال لها:

هو كبر الآن، وأينع صباه،

علينا أن نقطفَ أحلامَه!

               ***

قلتُ لأبي قبل أن يموت إنّ

الكرة الأرضيّة تدور

حول نفسها. قال:

هذا كفر.

قلت لأبي، قبل أن يموت، إنّ

الإنسانَ هبط

على سطح القمر. قال:

هذا تجديف.

قلتُ لأبي، قبل أن يموت، إنّه

يمكنكَ أن تتابع عاصفةَ الصحراء

مباشرةً على الجزيرة. قال:

هذا فيلمٌ أميركيّ.

قلتُ لأبي، قبل أن يموت، هل تحبّني؟

               ***

كان ينامُ على صوتِ المذياع

وكان يستيقظُ على صوتِ المذياع

وطوال الليل، وما بينَ قطْعِ البثّ ووصلِه،

كانت أحلامُنا كلّها تغطُّ في وشيشِ وجودِه.

               ***

آخرُ كلمات أبي التي نطق بها كانت

أنا الأبُ الأخير

أنا هو ختامُ الآباء

لا طوفان للآباء ينقذهم من بعدي.

               ***

عندما قلتُ له سوف أهاجر، قال:

لا تعُدْ أبدًا مرّةً أخرى، مهما كانت الأسباب.

عندما مات أبي، قلت له:

لا تعُد أبدًا مرّةً أخرى، مهما كانت الأسباب.

               ***

في مثل هذا اليوم، أتى أبي إلى الحياة.

في مثل هذا اليوم، ماتت الحياة.

               ***

مات أبي اليوم

بعد أن قتلتُه وأنا صغير.

مات أبي اليوم

بعد أن قتلَني وأنا صغير.

               ***

قال لي أبي: لا تنظرْ وراءك أبدًا،

ثمّ مات.

ومازلتُ أنظر حولي،

وأمامي،

وتحت قدميّ،

وفوق سمائي،

ولا أذهبُ إلى قبره.

 

سوريا

* هذا الجزء الثاني من قصيدة للشاعر نُشرت سابقًا بعنوان في اليوم الذي...

ايمن مارديني

كاتب وشاعر سوريّ، يحمل إجازةً في الاقتصاد من جامعة دمشق. من أعماله: سيرة الانتهاك (رواية، 2011)؛ غائب عن العشاء الأخير (رواية، 2015). وله مقالات ونصوص متفرّقة، وسيناريوهات أفلام قصيرة على اليوتيوب.