سلالات كورونا الجديدة: نعمةٌ أمْ نقمة؟
18-01-2021

 

 

بتاريخ 27/12/2020، عقدتْ مجلةُ الآداب ندوةً طبّيّةً رقميّةً عن لقاح كوفيد-19 وسلالات كورونا الجديدة، استضافت فيها البروفيسور غسّان دبيبو. ودبيبو، كما بات معلومًا لقرّاء الآداب، مديرُ مركز أبحاث الأمراض الجرثوميّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، وهو بروفيسور في قسم الكيمياء البيولوجيّة والعلوم الوراثيّة، ورئيسُ قسم الأمراض الجرثوميّة، وطبيبُ أطفال وناشئة، في المركز الطبّيّ التابع للجامعة المذكورة (AUBMC).

***

في هذا اللقاء سأتحدّث عن محوريْن: اللقاح، والسلالات الجديدة التي تظهر من فايروس كورونا.

في المحور الأوّل، سأبدأ بمقدّمةٍ صغيرةٍ عن اللقاحات: نشأتها، ومآلاتها.

لأوّل مرّة يتعرّض العالمُ لجائحةٍ كبيرةٍ من فايروس كورونا تستمرّ هذه الفترةَ الطويلة. آخرُ جائحة من كورونا (سارس) حصلتْ منذ عشرين سنةً تقريبًا، وحينها عملتْ مراكزُ البحوث على اللقاح. لكنّ العملَ البحثيّ توقّف مع توقّف تلك الجائحة، من دون الوصول إلى أيّ لقاح. غير أنّ الجهد الذي بُذل في ذلك الوقت بقي محفوظًا برسم العلماء اللاحقين.

عندما حلّت الجائحةُ الثانية (كوفيد-19)، بدأ الضغطُ على شركات الأدوية والحكومات ومصنّعي اللقاحات. ووُضع الجميعُ أمام ضرورة إيجاد لقاحٍ جديدٍ بأسرع وقت لأنّه كان الأملَ الوحيدَ للسيطرة على الجائحة.
المشكلة في فايروس كورونا أنْ لا سوابقَ عمليّةً برهنتْ فعّاليّتَها كي تُستعملَ "خريطةَ طريقٍ" للوصول إلى لقاحٍ جديد. ولذلك بُذلتْ جهودٌ جبّارةٌ لإيجاد لقاحاتٍ من غير محور. فلنَعدْ خطوةً إلى الوراء.

حين حلّت الجائحةُ الثانية تساءل العلماء: لو كان سببَها نوعٌ جديدٌ من الإنفلونزا، لكان سهلًا الوصولُ إلى لقاحٍ جديدٍ لأنّ اللقاحات المخصَّصة للإنفلونزا معروفةٌ تمامًا في تركيبتها وعملها وفعّاليّتها، ولكان يمكن استخدامُها لمحاربة الإنفلونزا الجديدة. لكنْ في حالة فايروس كورونا لم يكن لدينا ترفُ هذه السوابق. فاضطُرّ الباحثون إلى أن يسلكوا طرقًا جديدةً للوصول إلى لقاحات كورونا.

حاليًّا، هناك أكثرُ من 212 لقاحًا من الكورونا تخضع للتجربة، وهي مختلفة جدًّا واحدُها عن الآخر بسبب استخدامها تقنياتٍ حديثةً جدًّا أو قديمةً، وجميعُها قيد الدرس. لقاحان فقط حصلا على الترخيص: الأوّل من شركة فايزر، والثاني من شركة مودِرْنا. الشركتان استَخدمتا تقنيّاتٍ حديثةً جدًّا لم تكن معروفةً من قبلُ لتصنيع اللقاحات، مع أنّ العمل على اللقاح بدأ تقريبًا منذ ثلاثين عامًا (سنة 1990).

نسمع عن لقاحات الـRNA أو الـRNA المعدَّلة. شخصيًّا، كنتُ أشكّك فيها لأنّ RNA مادّةٌ سريعةُ العطب، وتدمَّرُ بمجرد تعرُّضها لعوامل الطبيعة أو لتغيّرٍ في درجات الحرارة؛ فكيف سيكون حالُها إن قرّرْنا أن نُدخلَها إلى خليّةٍ من أجل استخراج لقاحٍ منها؟! لكنّ المفاجأة كانت إيجابيّةً، ورأت هذه اللقاحاتُ النورَ: فقد جرى "تحصينُ" الـRNA عبر تغليفها بالدهون لكي تَثْبتَ وتتمكّنَ من الدخول إلى الجسم، فتأخذَها الخلايا - وبشكلٍ خاصٍّ الخلايا المناعيّةُ - من أجل تحويلها إلى بروتين.

لقاح RNA هو عبارة عن رسالةٍ إلى الخلايا. Messenger RNA يأخذ البروتينَ المخصَّص للفايروس من الـRNA المعدّلة في "رسالة" ٍالى الخلايا، من أجل تحفيزها على تصنيع بروتينٍ آخر. Messenger RNA يغلَّفُ بطريقةٍ ثابتةٍ كما قلنا، ويُدخَل إلى خلايا المناعة لدى الشخص، فتقُومُ هذه الخلايا بتصنيع بروتين من الفايروس. عندها "يَكتشف" جهازُ المناعة البروتينَ الجديدَ الغريبَ عن الجسم، ويهاجمُه بسرعةٍ كبيرة، ويَخلق مناعةً تلقائيّةً ضدّه من عدّة محاور. البروتين المستعمَل اسمُه Spike Protein، وهو بمثابة "مفتاحٍ" يستخدمه فايروس كورونا ليَدخل على الخلايا فيفتحها كي يستطيع التكاثرَ داخلها.

هذه هي تقنيّةُ RNA التي استُخدمتْ في لقاحيْ شركتيْ موديرنا وفايزر. أمّا الشركات الأخرى التي تصنّع اللقاحات، كالشركات البريطانيّة (مثل Oxford Astrazeneca) والروسيّة والأميركية (Johnson and Johnson)، فتستخدم فايروسًا آخر اسمُه Adenovirus لكي يحملَ Spike Protein ويستعملَ الجينات الخاصّةَ بذلك الفايروس (أو ما يُعرف بالـcode – الرمز – الجينيّ) لحقن أشخاص. ويستطيع الفايروس أن يتكاثر، ويستطيع Spike Protein الدخولَ إلى خلايا المتلقّين لتحفيز جهاز المناعة على التجاوب.

ظهورُ طفراتٍ جديدةٍ من فايروس كورونا أمرٌ متوقَّع لأنّ من خصائص هذه الفايروسات التغيّرَ المستمرَّ في التسلسل الجينيّ بسبب أخطاءٍ عند التكاثر؛ وكلّما زاد الانتشار زادت نسبةُ هذه الأخطاء. بعض هذه الأخطاء/الطفرات قد تُسْبغ مميّزاتٍ تفضيليّةً على الفايروس، كما حدث بالنسبة إلى السلالة البريطانيّة الجديدة. هذه الطفرة أعطت الفايروس المزيدَ من القدرة على التكاثر والانتقال بشكلٍ أكبر من السابق.

 

ما تغيّر مع السلالة الجديدة هو قدرةُ الفايروس على التكاثر والانتقال بشكلٍ أسرع إلى الأشخاص

 

مع بداية جائحة كوفيد-19، كانت لدى كلِّ شخصٍ مصابٍ القدرةُ على أن يَعدي شخصيْن أو ثلاثة. ثم تطوّر الفايروس إلى سلالةٍ جديدةٍ في أيّار/مايو 2020، فأتيح لحاملها أن يعديَ من خمسة إلى ستّة. وأمّا الطفرة الجديدة في Spike Protein فتسمحُ للمصاب بأن يعديَ من ثمانية إلى عشرة. ما تغيّر، إذًا، هو قدرةُ الفايروس على التكاثر والانتقال بشكلٍ أسرع إلى الأشخاص. وهذا يعني أنّ الفايروس أصبح يتمتّع بـ"لياقة" أكبر (Viral Fitness). وهذا أمرٌ يخيفنا لأنّه يعني ارتفاعًا كبيرًا في عدد المصابين، وزيادةَ الضغط على القطاع الصحّيّ (وتحديدًا المستشفيات).

هذا لا يعني أنّ السلالة الجديدة تُحْدث مرضًا أقوى، أو أنّ أعراضَها أقوى. ولكنْ، حتى اللحظة، لم تَصدر دراساتٌ تؤكّد أنّها تُحْدث مرضًا أخفّ.

عندما أطلقنا على عنوان ندوة الآداب هذه "سلالات كورونا الجديدة: نعمةٌ أمْ نقمة؟" قصدنا أن نقولَ ما يأتي: النقمة تتحقّق عندما ينتشر الفايروس بسرعةٍ أكبر وبحدّةٍ أشدّ، وعندها تكون الحالاتُ أسوأ والأعدادُ مرتفعةً جدًّا. أمّا الرحمة فتكون إذا تغيّر الفايروس، فخفّت وطأتُه وقلّ انتشارُه، وعندها لن يتسبّب بمرضٍ قويٍّ مثلما يحدث الآن؛ وهذا ما لاحظناه في سينغافورة بين نيسان وأيّار من العام المنصرم: فكلُّ الذين أصيبوا بهذه الطفرة كان لديهم مرضٌ خفيف جدًّا، ولم يتوفَّ منهم أحد.

السلالة الجديدة من فايروس كورونا هي، في الحقيقة، سلالات، لا سلالةٌ واحدة، وذلك لأنّها RNA Viruses. وهذا النوع من الفيروسات معروفٌ بقدرته العالية على التحوّل والتغيير خلال التكاثر، بسبب تركيبته التي تُعرّضه إلى أخطاء. وهذه الأخطاء يمكن أن تكون مفيدةً للفايروس، أو مضرّة، أو محايدةً لا تفيد ولا تضرّ.

 

* سأبدأ بالأسئلة. الدكتورة ليلى شمس الدين تسأل: هل تنصح باستخدام لقاحات الكورونا، بما فيها المرخّصة؟ وهل تعتقد أنّه ستكون لها مضاعفاتٌ خطرةٌ على الإنسان؟

- هذا السؤال في محلّه، خصوصًا في جو التهويل الدائر حول "الأذى" الذي تسبّبه اللقاحاتُ والخطر الذي قد "يؤدّي الى الموت"؛ هذا إضافةً إلى ما يُشاع عن برمجة اللقاحات لدماغ الإنسان بحيث يصبح تحت سيطرة بيل غايتس أو المنظّمات الماسونيّة وغيرها!

للأسف النظريّات المؤامرتيّة موجودة دائمًا، لكنّني أفضّل أن أتعاملَ مع هذه الأسئلة من الناحية العلميّة. يمكننا القولُ إنّ اللقاحيْن الموجوديْن اللذيْن حازا ترخيصًا يَمْلكان safety profile، أيْ درجةَ أمانٍ عاليةً لأنّهما أُخضعا للدراسة على أكثر من 90 ألف شخص وقُدِّما إلى أكثر من ثلاثة ملايين شخص. ونستطيع القول إنّ العوارض الجانبيّة التي نشهدها تُعتبر "محمولة" وتشبه عوارضَ لقاحاتٍ سابقة، كارتفاع الحرارة والتعب ووجعِ الرأس والدوخة. حتى اللحظة لم نلحظْ أيَّ عوارض خطرة. وكلُّ ذلك مبنيّ على البيانات العلميّة التي نُشرتْ عن هذه اللقاحات.

أمّا بالنسبة إلى التهويل بأنّ عددًا كبيرًا من الناس مات أو أصيب بالشلل جرّاء اللقاح، فيمكننا الردُّ على ذلك بدراسة لقاح شركة فايزر، التي أصدرتْ نتائجَها بعد إخضاع 43000 شخص للاختبار والدراسة، وكانت كالآتي: 21500 أخذوا اللقاح، و21500 أخذوا إبرةً وهميّةً (بلاسيبو) من ماء وملح. مات شخصان فقط من الذين تلقّوا اللقاح، في حين مات أربعة من الذين تلقوا الإبرةَ الوهميّة. الوفَيات ممّن أخذوا اللقاح لم يتوفّوا بسبب اللقاح بل بسبب ذبحةٍ قلبيّة أو كِبرِ السنّ أو السرطان (لأنّ اللقاح طُبّق على أشخاص من أعمارٍ مختلفة، ومنها الفئةُ العمريّة من 65 عامًا وما فوق). وهذا يشبه حالَ الشلل النصفيّ الناتج من التهاب عصب الوجه؛ فهذا يمكن أن يحدثَ بعد أيّ فايروس أو لقاح او أيّ شيءٍ يحفِّز جهازَ المناعة، بما في ذلك الإصابة بفايروس كورونا.

لتوضيح العلاقة بين أيّ عوارض جانبيّة واللقاح، يجب أن نقارنَ مع متلقّي البلاسيبو؛ أو أنّ علينا، بعد استعمال اللقاح على نطاق واسع في المجتمع، أن نقارن مع نسبة حدوث أيّ عوارض جانبيّة أساسًا في المجتمع لتبيان أيّ علاقةٍ مفترضة. هنا يجب التنويهُ إلى أنّ معظم العوارض الجانبيّة للقاحات، تاريخيًّا، تظهر خلال 30-45 يومًا من تلقّي اللقاح. لذا ننصح باستخدام اللقاحات التي حازت ترخيصًا لأنها أثبتتْ فعّاليّةً وأمانًا بشكل كافٍ.

 

* السؤال الآخر من مجدي حيدر: هل يمكن أن يصاب بالفايروس الجديد مَن سبق أن أصيب بفايروس كورونا؟

- الذين أصيبوا بفايروس كورونا (كوفيد-19) يمتلكون مناعةً لفترة طويلة (أشهر أو سنوات). إصابتُهم بالفايروس الجديد ممكنة، لكنّها "صامتة،" أيْ من دون أيّ عوارض.

 

* سؤال من الدكتورة هلا عواضة: ما مدى صحّة أنّ اللقاح ذو علاقة بالـ5g وأنّه يحتوي على رقاقات من اجل إدارة البشر؟

- هذه إحدى النظريّات المؤامراتيّة. العلم لم يتقدّم بعدُ إلى درجة قدرته على حقن شرائح أو رقاقات في دماغنا للسيطرة علينا. هذا مستبعَد كليًّا. المختصّون في علم الأعصاب (Neurology) يرفضون هذا الحديثَ لأنّه مستحيل علميًّا. مَن يصاب بشللٍ في يده لا نستطيع أن نعالجه، فكيف نستطيع أن نحقنَ الدماغَ بشريحة، وأن نسيطرَ على عاطفته وإرادته؟!

 

* سؤال آخر: كيف يعمل اللقاح على جهاز المناعة؟

- تحدّثنا سابقًا عن RNA Messenger ، ووصفنا كيف تدخل الرسالةُ إلى الخلايا لتصنعَ البروتين الذي يصنع الفايروس. وهذه الرسالة لا تدخل إلى DNA، بل تدخل مباشرةً الى Ribosome المكان الذي تُصنع فيه البروتينات في الجسم (مصنع البروتينات).

جهاز المناعة يَعرف كلَّ البروتينات الطبيعيّة في الجسم. ولذلك فإنّه سيكتشف البروتينَ الغريبَ، الناتجَ من التهابٍ أو فايروس أو باكتيريا، ويبدأ الهجومَ عليه وتصنيعَ المضادّات للتخلّص من هذا الجسم الغريب. جهازُ المناعة يعمل مع اللقاح بالطريقة نفسها، فيتخلّص من البروتين المخصّص للّقاح. وهذا البروتين يبقى في الجسم أيّامًا قليلة حتى يتعرّف إليه جهازُ المناعة ويصنع مضادّاتٍ عليه من أنواع الخلايا ومضادّات حيويّة (Antibodies). المهمّ في الموضوع أنّ جهاز المناعة يصنع ذاكرةً من خلايا مناعة متخصّصة، كالخلايا الليمفاويّة البائيّة (B Cells) والتائيّة (T Cells). هذه الخلايا تتذكّر كلَّ شيء تعرّض له المرءُ من قبل، بما في ذلك اللقاحاتُ المأخوذة من قبل؛ وهي تكوّن الذاكرةَ المناعيّة التي تحمينا على المدى البعيد!

 

الفئة الأولى ذاتُ الأولويّة لتلقّي اللقح هي القطاعُ الطبّيّ، ثم كبارُ السنّ (فوق 65 عامًا)

 

* ما هي الفئات التي تستطيع أن تأخذَ اللقاح ؟

- الفئة الأولى ذاتُ الأولويّة هي القطاعُ الطبّيّ، وتحديدًا الفِرَق التي تعمل على علاج مرضى كورونا، لكونها في الخطوط الأماميّة. الفئة الثانية هي كبارُ السنّ (فوق 65 عامًا) لأنّهم الأكثر عرضةً للوفاة في حال إصابتهم بالفايروس. الفئة الثالثة هي لمن هم تحت سنّ الـ65 ولكنْ لديهم مشاكل صحّيّة.

 

* ما هي الفئات التي يجب ألّا تأخذه؟

- الاستثناءات تتعلّق بالاشخاص الذين لديهم حساسيّةٌ من اللقاح. حتى اللحظة سُجّلتْ ستُّ حالات من أصل ثلاثة ملايين شخص أخذوا اللقاح. أمّا الذين أصيبوا بكورونا، فهم آخرُ مَن يجب أن يأخذوه لأنّهم اكتسبوا مناعةً ضدّ كورونا.

 

* سؤال: هل يمكن أن يؤدّي اللقاحُ دورَ إبادة البشر؟

- هذا أيضًا يندرج تحت إطار نظريّة المؤامرة. اللقاح حتى اللحظة فعلٌ اختياريّ. ويستطيع الفرد أن "يقامر" مع الفايروس فيأخذه ويرى "حظَّه" معه.

 

* لماذا تغيب المرجعيّاتُ العلميّة (الجامعات ومراكز البحوث...) عن توعية الناس، بدلًا من أن يُترك الموضوعُ لوسائل الإعلام؟

- جميعُنا نحاول ممارسةَ التوعية، وتحديدًا عندما نواجه الأخبارَ الكاذبة. أنا شخصيًّا تحدّثتُ في عشرات المقابلات بهدف نشر المعلومات الصحيحة.

 

* إلى أيّ حدّ نستطيع أن نثقَ بأداء وزارة الصحّة اللبنانيّة في موضوع اللقاح؟

- أمام وزارة الصحّة اختبارٌ قويّ في هذا الموضوع. لقد أنشأتْ لجنةً علميّةً متخصّصة موثوقة لإدارة هذه المسألة، وتحديد الفئات المرشَّحة لأن تأخذَ اللقاح.

 

* كيف تتمايز سلالةُ كورونا الجديدة من الأولى؟

- قلنا إنّها تتمايز بقدرة الانتشار السريع. لكنْ، حتّى اللحظة، لم يتبيّنْ بشكل قاطع إنْ كانت أخفَّ من الطفرة الأولى أو أقوى أو مساويةً لها. لكنْ تشير الدلائلُ إلى أنّها أخفّ من الأولى.

 

* ما هي الفئات الأكثر تعرّضًا لتهديد الطفرة الجديدة؟

- كلّ الفئات مهدَّدة لأنّ هذه السلالة تنتشر بسرعة. وقد سُجّلتْ ستُّ إصابات عند الأطفال في جنوب بريطانيا لأنّ اكتشافَ السلالة تَرافق مع فتح المدارس هناك.

 

* هل يمكن أن يصبح الفايروس، كوفيد-19 والسلالة الجديدة، مرضًا وراثيًّا؟

- كلّا، ليس ذلك واردًا أبدًا؛ ذلك لأنّ هذا الفايروس هو من نوع RNA، في حين أنّ العوامل الوراثيّة مكوّنة من DNA. ولا يدخل RNA على DNA إلّا في حالة الإيدز (HIV)؛ ففي هذه الحالة ينتقل الإيدز داخل بطن الأم، بعكس فايروس الكورونا الذي لم يتبيّنْ حتى الآن أنّه ينتقل من الأم الحامل.

 

* هل يعمل اللقاحُ على السلالة الجديدة؟

- الترجيحات تقول إنّ مَن سيتلقّى اللقاحَ ستكون لديه القدرةُ على محاربة السلالة الجديدة لأنّ Spike Protein الذي يُستعمل لتصنيع اللقاح مكوّن من 1273 حامضًا أمينيًّا. ما تغيّر في السلالة الجديدة هو تسعةُ حوامض أمينيّة فقط. صحيح أنّ جزءًا منها يقع في مراكز استراتيجيّة من هذا البروتين، لكنّ استجابة المناعة لـSpike Protein ستكون من مَحاور عديدة تستطيع أن تسيطر على البروتين الجديد في حلّته الجديدة. هذا وقد صدرتْ دراساتٌ حديثة تؤكّد أنّ اللقاحات الجديدة تعمل أيضًا على السلالات الجديدة.

 

* ما هي التحدّيات التي يُحتمل أن يواجهها لبنان مع الطفرة الجديدة؟

- التحدّيات كبيرة بصراحة. فالطفرة عاليةُ الانتشار، وهذا يعني أنّها ستصيب أناسًا أكثر. وإذا أدّى ذلك إلى ارتفاع نسبة الداخلين إلى أقسام العناية الفائقة في المستشفيات، وسُجّلتْ نسبةُ وفياتٍ عالية، فذلك سيكون كارثيًّا لأنّنا سنكون حينها قد دخلنا مرحلةَ الخطّ الأحمر بسبب قلّة الأسرّة المتوفّرة في تلك الأقسام. وهذا ما حدث في إيطاليا وإسبانيا.

 

* هل تستدعي الطفرةُ الجديدةُ إقفالَ البلد؟

- الوضع الاقتصاديّ في لبنان بائس، ولذلك تتردّد الحكومةُ كثيرًا في إقفال البلد لأنْ لا قدرةَ لديها على مساعدة الناس الذين يعيشون تحت خطّ الفقر؛ فهؤلاء في أمسّ الحاجة إلى تحصيل قُوتهم اليوميّ، وسيموتون من الجوع إذا أُجبروا على البقاء في منازلهم. لكنّ قرارَ الإقفال شرٌّ لا بدّ منه لأنّ سجلّ الإصابات يشير إلى 3000 حالة يوميًّا أو أكثر.

 

* د. أسعد غصوب: ما هي الفترة الزمنيّة التي يجب أن تستغرقها تجاربُ اللقاحات قبل أن تصبح قابلةً للاستخدام؟

- اللقاحات تخضع للدراسة لفترتيْن: الأولى أربعة أسابيع، وفيها تظهر أغلبُ عوارض اللقاح الجانبيّة؛ والثانية ستّة اشهر، وفيها تظهر العوارضُ الأخرى البطيئة. هذه الفترة كافية لكي تُقرِّرَ الجهاتُ المعنيّةُ في شأن ترخيص اللقاح. وعندما يترخّص، تبقى عمليّةُ المراقبة حاضرةً في حال حصول أيّ عوارض جانبيّة.

 

* حسن المقدّم: ماذا عن لقاحات الأطفال؟ وما هي تأثيراتُه في الأطفال؟

- حتى اللحظة، اللقاحات التي نالت رخصةً ليست مخصَّصةً للأطفال، وإنّما لمن هم في عمر السادسة عشرة وما بعد. في هذه المرحلة تجري الاختباراتُ على الأطفال. ومَن يعانون الربوَ ومشاكلَ أخرى ستكون لهم أولويّةُ أخذ اللقاح عندما يتوفّر.

 

* لينا عماد: ماذا عن الآثار السلبيّة للّقاح؟

- حتى اللحظة، الحساسيّة هي من أكثر آثاره الجانبيّة. ولكنّها حالةٌ تُمْكن السيطرةُ عليها، ونراها في كثيرٍ من اللقاحات الأخرى.

 

* د. هشام لديه سؤالان. لا اختلافَ في تأثير الفايروس بين مختلف المجتمعات (نسبةُ الوفيات مرتفعة في دول الغرب، حيث نسبةُ المسنّين مرتفعة، مقارنةً بدول شرق المتوسّط). فهل سيتطلّب ذلك مقاربةً مختلفةً للتلقيح؟ ثمّ إنّك ذكرتَ أنّ لقاحيْن رُخّصا، ولكنّ ذلك جرى في الدول العربيّة فقط. فما سبب القول إنّ اللقاحيْن الصينيّ والروسيّ لم يمرّا "بالتجارب اللازمة"؟ هل السبب علميّ أمْ سياسيّ؟

- نسبة الإصابة بالكوفيد مختلفة بين المجتمعات، لكنّها تتغيّر مع الوقت. بل إنّ نسبة الوفيات داخل دول الغرب نفسها انخفضت اليوم مقارنةً ببداية الأزمة، من 50 % إلى 70%.

القسم الثاني من سؤالك مهمّ جدًّا. اللقاحان فايزر ومودرنا أميركيّان، ونالا الترخيصَ من أميركا وأوروبا وأستراليا ومن الدول الغربيّة التي لديها هيئاتٌ علميّةٌ تَدْرس اللقاحات. دولُ العالم الثالث تعتمد ترخيصَ هذه الدول والهيئات. اللقاح الصينيّ نال ترخيصًا من الصين، ومن الإمارات العربيّة المتّحدة التي شاركتْ في دراسته، لكنّه لم ينلْه حتى اللحظة من باقي الدول لأنّ الدراسات عليه لم تُنشر بعد. بمعنى آخر: نحن كعلماء لا نعرف ماهيّةَ هذه الدراسات وماهيّةَ اللقاح والعوارض الجانبيّة والفعاليّة. نحن إزاء صندوقٍ أسودَ لا يُعرف محتواه. والشيء نفسه نقوله بالنسبة إلى اللقاح الروسيّ. لذا، أعتقد أنّ سبب القول إنّ اللقاحين الصينيّ والروسيّ "لم يمرّا بالتجارب اللازمة" سببٌ "سياسيّ"؛ ذلك لأنّه حتى اللحظة لم تُنشر أيُّ معطيات في هذا الخصوص.

 

* إيناس علي: هل اللقاح ضدّ الكوفيد ضروريّ فعلًا، ولجميع الفئات العمريّة؟ سؤالي ناتج من معرفتي بالعديد ممّن أصيبوا بهذا الفيروس، شبابًا ومسنّين وذوي أمراضٍ مزمنة، وهم الآن في صحّة جيّدة من دون الحاجة إلى المستشفى.

- نعم اللقاح ضروريّ. 99% من المصابين بالكوفيد ينجون منه. واللقاح لن يسبِّب الوفاة. علينا أن نضع خياراتِنا في الميزان: هل نعرّض أنفسَنا للوباء، أمْ نأخذ اللقاح؟

 

* د. رامي سلامة: هل الإصابة بالسلالة القديمة تحصِّن ضدّ السلالة الجديدة؟

- أغلب الظن نعم. ذلك لأنّ جهاز المناعة "تعرَّفَ" إلى عدة محاور من السلالة القديمة ما زالت موجودةً في السلالة الجديدة. فالسلالة الجديدة لم تتغيّرْ بشكلٍ جذريّ، ولا يصحّ القول إنّها أصبحتْ مختلفة تمامًا عن سابقتها .

 

* لارا شمس الدين: مَن أُصيب وشُفي، ثمّ أصيب مجدّدًا، هل تكون عوارضُ مرضه أقوى بكثير؟

- لا. العوارض ستكون خفيفةً على الأرجح.

 

* د. وداد طه: ما هو السعر المتوقّع للجرعة الوحدة من اللقاح؟

- نُشرت الأسعار، واعتقد أنّ لقاحَ الفايزر 40 دولارًا، ولقاح مودورنا 25 دولارًا، واكسفورد 5 دولارات.الدول التي تستحضر اللقاحَ هي التي تتكلّف بدفع سعر اللقاح حتى اللحظة. في بلدٍ كلبنان يجب أن يكون اللقاحُ مجّانيًّا.

 

* هنا علي: هل ستتغيّر العوارضُ والمؤشِّرات للدلالة على الفيروس الجديد بنسخته المتطوّرة؟ أمْ هي نفسها العوارض الحاليّة المعروفة ؟

- حتى اللحظة، العوارض هي ذاتها.

 

* د. ثناء حلوةهل اللقاح يحمي لمدّةٍ معيّنة؟ هل نحتاج إليه ثانيةً؟ وهل تخضع بعضُ المجموعات التي تعرّضتْ للقاح لمراقبة الأطبّاء الدائمة؟

- لا نعرف الجوابَ على سؤال فترة الحماية من اللقاحات. بدأت الدراسةُ على لقاح شركة فايزر في نيسان، أيْ لم يتخطّ السنةَ حتى نحدِّد فترةَ الحماية منه. وكلُّ مَن تلقّى اللقاحات ضمن الدراسات سيبقى خاضعًا للمتابعة والمراقبة.

 

* ليلى عيتاني: هل العودة إلى المدارس آمنة مع الطفرة الجديدة؟

- علينا مراقبةُ أعداد الإصابات. فإذا ارتفعتْ فمعنى ذلك أنّ قرار الإقفال سيكون هو الأفضل.

 

* د. هشام: الدراسة الأولى مموَّلة من فايزر. فكيف نضمن الموضوعيّة؟ وبحسب دراسة فايزر نفسها، فإنّ نسبةَ الإصابة الحادّة بكورونا، أي التي تشكّل خطرًا على الحياة، في عيّنة البلاسيبو - أي التي لم يتلقّ أعضاؤها اللقاح - لم تتعدّ 0.05%؜. لماذا لا تُذْكر هذه الأرقام، بالإضافة إلى ذكر نسبةٍ يردّدها الإعلامُ، وهي 95% نجاح؟ ولماذا لا يقارَن أثرُ كورونا بأمراضٍ أخرى كي نبتعد عن التهويل ونحدّدَ خارطةَ طريق تُوازِن بين الحاجة الصحّيّة والحاجة الاقتصاديّة، وكي نبقى حذرين من دوافع شركات الأدوية؟

- كثير من الدراسات مموّلة من شركات الأدوية. الموضوعيّة تتحقّق في تعيين لجنة مستقلّة لمراقبة سير الدراسة، وهي لجنة غير خاضعة لفايزر، ومستقلّة عنها، وهي معيّنة من FDA (إدارة الأغذية والعقاقير)؛ أو تتحقّق في المشاركة بين هذه الإدارة والشركة التي تدْرس اللقاح. مهمّة هذه اللجنة أن تُراجع النتائجَ الأوّليّةَ عند ظهورها بشكلٍ متوالٍ. فمثلًا، كان الهدف هو الوصول إلى 150 حالة إصابة بالكورونا خلال الدراسة عند مجموع المشاركين فيها. وهنا نلفت الانتباه إلى أنّ نصف المشاركين تلقّوْا البلاسيبو، والنصف الآخر تلقوا اللقاحَ من دون أن يعرف المشاركُ أو الباحثُ أو الطبيبُ ماهيّةَ الحقنة. فقط عندما وصل عددُ الإصابات إلى 170 إصابة وطلبت اللجنةُ المستقلة فكَّ الشيفرة التي تفرّق بين متلقّي اللقاح ومتلقّي البلاسيبو تبيّن أنّ عددَ الإصابات عند متلقّي البلاسيبو كان 162 بينما كان العدد عند متلقّي اللقاح 8. من هنا أتت نسبة الحماية للقاح: 95%.

 

* د. شوقي عطيهكيف أتأكّد أنّ ابني (عمره سنتان ونصف السنة)، وهو محجور معنا، لم يعد ناقلًا للعدوى؟

- بعد عشرة أيّام من الإصابة لا يعود أيُّ مصابٍ قابلًا لنقل العدوى.

بيروت

غسّان دبيبو

مدير مركز أبحاث الأمراض الجرثوميّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، وهو بروفيسور في قسم الكيمياء البيولوجيّة والعلوم الوراثيّة، ورئيس قسم الأمراض الجرثوميّة، وطبيب أطفال وناشئة، في المركز الطبّيّ التابع للجامعة المذكورة (AUBMC).