تغادرنا الطيورُ في أيلول. تغادرنا نهاراتُنا الطويلة. تغادرنا الليالي المُقمرة. ويغادرنا حلمٌ استودعناه يومًا في القاهرة.
لم يكن جمال عبد الناصر زعيمًا خاض تجربةً يمكن قياسُها بموازين الربح والخسارة. لقد كان خيارًا شَقّه لنا، ومهّده، قبل كلّ شيء آخر.
ستُّ صورٍ تختصر حياةَ هذا الرجل: في منشيّة القاهرة عام 1954، وما تركتْه محاولةُ اغتياله من ذاكرة صوته وهو يهتف وحيدًا: "كلُّكم جمال عبد الناصر." في باندونغ، حين اختار لنا موقعًا "لاشرقيًّا ولاغربيًّا" على خارطة الانقسام العالميّ بين الشرق والغرب. في تأميمه قناةَ السويس عام 1956، بعد أزمة تمويل السدّ العالي. في دمشق عام 1958، حيت أخذنا إلى أسمى الأهداف وأكثرها عزّةً: وحدتنا العربيّة. في القاهرة، حين خطب عن اليمن عام 1962، يقارع قوى الرجعيّة العربيّة التي لا تزال تغرق في الدم اليمنيّ. وفي القلب مجدّدًا، في القاهرة، من قلب نكسة العام 1967، وهو يشكو ما وصل إليه الحالُ بسبب القريب قبل البعيد.
لن يجد القارئُ صعوبةً في تتبّع صور عبد الناصر الستّ هذه، في ثنايا قصيدة الشاعر الفلسطينيّ الراحل سميح القاسم، "مصارع الرجال،" المنشورة في مجلة الآداب، في ديسمبر/ كانون الأوّل من العام 1970.