لا يتُقْنَ إلى أيّ شيءٍ
لأن متاعَ الحياةِ
التي صُمِّمَتْ دونهنَّ موائدُها
في البيوت الجديدةِ
أحضَرْنَه معهنَّ بكامل عُدّتِهِ،
ثمّ أفرغْنَهُ في حقائبَ باليةٍ
مثلما يُفرغ الواعظون جلابيبهمْ
من بقايا العِظاتْ
وأَوَيْنَ إلى غرفٍ
لُفِّقَتْ بغتةً لاحتضانِ عذاباتهنَّ
عند قفا البيتِ
أو في زوايا المطابخِ
أو في مكانٍ مَوَاتْ
راهباتُ المنازلِ هُنَّ،
ونسوَتُها الموكلاتُ بتنظيفِ أحلام يقظتها
من وحول الشقاءِ،
وغسلِ الوعود من التُّرّهَاتْ
بأجسادِهنَّ التي أُخليَتْ عنوةً
من جميع مفاتنها
يلتقطنَ غبار النهارِ
ويدرَأنَ جدرانَهُ بالمماسحِ،
ثمّ يوارين خردةَ أعمارهنَّ
التي نُؤْنَ في حملِها
تحت سطح سماءٍ من الخبزِ
لا يتساقط منها،
وقد حصَّنَتْ نفسَها بعصيِّ المكانسِ،
إلّا الفُتَاتْ
في عوالمهنَّ الفقيرةِ
ليسَت تُنَالُ السعادةُ إلّا على الركبتينِ،
وعبْر السلالمِ يصعَدْنَ
نحو سقوف الشقاءِ البخيلةِ،
حتّى إذا ما خلَوْنَ إلى صمتهنَّ
تسمَّرنَ كالمانيكاناتِ
في هدأة الواجهاتْ
في مهبِّ تصاميمَ مقفلةٍ كالصناديقِ
يُجلِسنَ أعمارهنَّ المُعرَّاةَ
إلّا من الخوفِ،
فيما الهواءُ الذي حولهنَّ
يدور كإسفنجةٍ
لامتصاص الكلام القليلِ الذي يَتَعَثَّرنَ
في لفظهِ،
وإذا ما تكلَّمنَ لا ينتظرنَ جوابًا،
كمن يتكلّم مع بشرٍ غائبينَ،
كمن يتحرَّى وراء صدى الكلماتِ
صحارى مسامعَ جوفاءَ
من قلّةِ الاكتراثِ،
ولا يستبقنَ مرور الزمانِ بأيِّ انتظارٍ
بحُجّةِ ضيق المكانِ
بما سوف يأتي،
لهذا دَسَسنَ محاصيل أرواحهنَّ
الضئيلةَ بين الثيابِ،
وأقفلنَ دون ملامحهنَّ
التي أخذت في التشقُّقِ
مستودعَ الذكريات
هنا،
حيثُ لا شيءَ يحدثُ،
حيث الظلالُ ملائمةٌ لمرورِ العناكبِ،
لا أحدٌ سوف يُعنى بأخذ الحياةِ
إلى نومها،
ولا أحدٌ سوف يُعنى
بتقليب روزنامة الزمن المنقضي،
وحدهُ صيرفِيُّ السنينِ الشحيحةِ
سوف يقايضُ بالعملةِ الأجنبيّةِ
مُقتَنَياتِ وجودٍ،
ملمَّعَةٌ بالدموع براويزُهُ،
ومخادعَ مأهولةً بالأسى
لا تطلُّ مساحاتُها المستباحةُ
إلّا على عزلة الخادمات.
بيروت
*من ديوان إلى أين تأخذني أيّها الشعر، الصادر حديثًا عن دار الآداب.