حَراك نصرة القضيّة الفلسطينيّة في قطر
12-03-2018

 

أعدّه هاني الخراز ومريم الهاجري.

 

نهدف من خلال هذه الورقة إلى إبراز تجارب الحَراك الأهليّ في قطر لنصرة القضيّة الفلسطينيّة عن طريق استعراض الحالات الآتية: لجنة قطر الأهليّة لمساندة الانتفاضة الفلسطينيّة (١٩٨٨)، والجمعيّة القطريّة لمساندة الحقوق الفلسطينيّة (٢٠٠١)، وشباب قطر ضدّ التطبيع (٢٠١١).

ستقوم هذه الورقة في نصفها الأوّل باستعراض التجربتين الأولى والثانية، اللتيْن تعبّران عن رغبة المجتمع القطريّ الجادّة في دعم القضيّة الفلسطينيّة، وتشيران إلى أنّ هذا الدعم ليس أمرًا طارئًا، وإنّما امتدادًا لقناعات الشعب القطريّ الثابتة في دعم القضايا العربيّة والقوميّة. كما ستسعى الورقة إلى توضيح العراقيل التي واجهتْ، ولا تزال، جهودَ التحرّكات المناهضة للتطبيع. أمّا في النصف الثاني فسنستعرض تجربةَ المجموعة الثالثة، وهي مجموعة شبابيّة غير رسميّة، تعمل في الفضاء الإلكترونيّ أساسًا، وتهدف إلى رصد حالات التطبيع في قطر وتوعية المجتمع القطريّ بها، وإلى تفعيل "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل"(BDS)  في الدوحة.

 

أولًا: لجنة قطر الأهليّة لمساندة الانتفاضة الفلسطينيّة (١٩٨٨)

كان الشارع العربيّ برمّته مساندًا للانتفاضة الفلسطينيّة الأولى. وتجلّى ذلك في مؤتمرٍ عُقد في صنعاء بين 11 و 14 يونيو 1988 تحت مسمّى "ندوة الفكر والفنّ والأدب لدعم الثورة الشعبيّة في فلسطين."[1] حضر المؤتمرَ نخبةٌ من المفكّرين والفنّانين العرب، ذكورًا وإناثًا، ولم يكن الشارعُ القطريّ مستثنًى من ذلك؛ فبعد حضور د. علي خليفة الكواري للمؤتمر المذكور، نَقل أجواءَ المطالبة بدعم الانتفاضة الفلسطينيّة، عن طريق الإذاعة الرسميّة القطريّة، التي نشرتْ بيانَ المؤتمر الختاميّ، والدعوة إلى دعم المقاومة والانتفاضة. وقد تمّت الاستجابة للدعوة بالفعل.[2]

هيّأ هذا الجوُّ لانضواء عددٍ من المواطنين القطريّين تحت جمعيّةٍ واحدةٍ داعمة للانتفاضة. ففي العام ١٩٨٨ تأسّستْ "لجنة قطر الأهليّة لمساندة الانتفاضة الفلسطينيّة،" واستمرّ عملُها ٧ سنوات، إلى أن أُغلقتْ بتوجيهٍ رسميّ . وفي عام ١٩٩٤، أمر البنكُ المركزيّ في قطر بإغلاق الحساب البنكيّ للّجنة، وسحبِ ما جمعه المساهمون في الجمعيّة. الجدير ذكرُه أنّ هذا المبلغ كان يُجمع عن طريق التبرّعات الفرديّة والجماعيّة، بالتعاون مع مؤسّسة "تعاون" الفلسطينيّة، سعيًا إلى تلبية احتياجات الداخل الفلسطينيّ؛ فقد نصّت وثيقةُ اللجنة على أنّ هدف تأسيسها هو "تعزيزُ الالتحام بالانتفاضة الفلسطينيّة، وتوظيفُ القدرات الفكريّة من أجل تعميق وتجذير روح الدعم والمناصرة لصمود الشعب العربيّ الفلسطينيّ على أرضه وتأمين شروط استمرار انتفاضته الباسلة."[3]

هكذا بدأتْ تظهر العرقلةُ، الموجَّهة رسميًّا، للعمل الأهليّ الداعم لفلسطين؛ وكانت قد سبقتْ هذا الموقفَ معارضةٌ مباشرةٌ من قِبل السلطة لعمل اللجنة منذ اجتماعها الأوّل.[4]

 

ثانيًا:  الجمعيّة القطريّة لمساندة الحقوق الفلسطينيّة (2001)

إثر الاجتياح الإسرائيليّ للضفّة الغربيّة وانطلاق الانتفاضة الثانية عام 2001، ألحّت على بعض القطريين فكرةُ إشهار جمعيّةٍ لمساندة الحقوق الفلسطينيّة. وبعد تداول فكرتها بين جمعٍ من المواطنين، عُقد الاجتماعُ التأسيسيّ للجمعيّة، وكُتبتْ وثيقةُ التأسيس التي وقّع عليها ما يقارب مئة مواطن، وقُدّم طلبٌ رسميّ لإشهار الجمعيّة. وبعد مماطلةٍ دامت أشهرًا، رفضتْ إدارةُ الشؤون الاجتماعيّة، في وزارة شؤون الخدمة المدنيّة، الطلبَ بحجّة "حظر الجمعيّات المدنيّة من العمل السياسيّ" بحسب القانون القطريّ. ولم يَشفع التظلّمُ المقدّمُ إلى مجلس الوزراء لإعادة النظر في القرار. وعلى الرغم من تصريح اللجنة المؤسِّسة بإمكانيّة تعديلِ ما تعتبره الإدارةُ غيرَ مقبول، فإنّ الإدارة التزمت الرفضَ، ولم تعطِ المؤسّسين مجالًا لإعادة رسم خطّة التأسيس. وقد لخّصت اللجنةُ التأسيسيّة أسبابَ الرفض في أمرين: أوّلهما أنّ أغراض الجمعيّة تعني اشتغالَها بالأمور السياسيّة، وثانيهما أنّ هيئة المؤسّسين (البالغ عددهم ٩٧ شخصًا) يضمّون شخصًا واحدًا لا يحمل الجنسيّةَ القطريّةَ خلافًا للمادّة 2 من القانون 8 لسنة ١٩٩٨![5]

على إثر فشل المحاولة، تأسّس صندوقُ العون القانونيّ للفلسطينيين، بإدارةٍ قطريّة...  لكن هذه المرّة في لبنان.[6]

ثالثًا: شباب قطر ضدّ التطبيع 2011

على الرغم من الركود النسبيّ في الحَراك الثقافيّ والسياسيّ في الساحة القطريّة، فإنّ العام ٢٠١١ شهد إطلاقَ مدوَّنة "شباب قطر ضدّ التطبيع،"[8] التي تحاول تفعيلَ المقاطعة في إطار حملة المقاطعة العالميّة (BDS). ومن خلال المدوّنة رُصد عددٌ من حالات التطبيع، وجرى التواصلُ مع الجهات المعنيّة لمنع تكرار مثلها. إلّا أنّها تكرّرتْ كثيرًا حتّى عامنا هذا!

هدفت المجموعةُ منذ يومها الأوّل إلى التصدّي لكلّ محاولات التطبيع، ونشرِ الوعي بين فئات الشعب القطريّ بأهمّيّة مناهضة التطبيع تحقيقًا للمصلحة القوميّة والوطنيّة، وذلك عن طريق التذكير بانتهاكات "إسرائيل" للقوانين والمواثيق الدوليّة؛ بالإضافة إلى إلقاء الضوء على طبيعتها التوسعيّة في المنطقة، وعلى تناقض التطبيع مع المبادئ القوميّة والإسلاميّة لدولة قطر، التي تؤكّد الوقوفَ مع الشعب الفلسطينيّ حتى نيل حقوقه المشروعة كاملةً.

وعليه، كانت المجموعة دائمًا جزءًا من النشاطات العالميّة التي تخصّ القضيّة الفلسطينيّة، ومنها أسبوعُ الأبارتهايد الإسرائيليّ (IAW). وكانت المجموعة هي الأولى في دول مجلس التعاون التي تقوم بتنظيم أسبوع من هذا النوع. علاوةً على المساهمة الدائمة في "يوم الأَرض" (31 مارس من كلّ عام). بالإضافة إلى المشاركة الدائمة بكلّ الفعاليّات المتعلّقة بفلسطين، من أجل تكريس الوعي المؤيِّد لحقوق الشعب الفلسطينيّ، وترسيخ صورة الكيان في الوجدان الشعبيّ في وصفه عدوًّا. وتسعى المجموعة دائمًا إلى كشف المؤسّسات والمنظمات والشخصيّات التي لها علاقة بالكيان الصهيونيّ، وتدعو إلى مقاطعتها ومقاطعة بضائعها، فضلًا عن مقاطعة المنتجات الصهيونيّة.

تتمثّل آليّةُ عمل المجموعة في إصدار نشراتٍ ومطبوعاتٍ وبياناتٍ عن حالات التطبيع الجارية، وذلك عن طريق مدوّنة المجموعة وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعيّ.[9] كما أنّها تنظّم لقاءات ومحاضرات وندوات ودورات تدريبية بالتعاون مع الأندية الجامعية والمؤسّسات غير الربحيّة. ويمتدّ التعاون إلى اللجنة الوطنيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة للكيان الصهيونيّ (PACBI)، وإلى كلّ الجهات ذات الصلة بالقضيّة، سعيًا إلى تنفيذ غايات المجموعة .

 

أبرز حالات التطبيع

تكرّرتْ حالاتُ التطبيع مع الكيان الصهيونيّ في قطر في السنوات الأخيرة. كثيرٌ منها كان تحت غطاءٍ رياضيّ، عبر مشاركة فرق ورياضيّين/ات إسرائيليّين/ات في بطولاتٍ دوليّة مقامة في قطر. كما رُصدتْ حالاتٌ أخرى تجاريّة، وثقافيّة، وأكاديميّة.

آخرُ حالات التطبيع الرياضيّ المرصودة تمثّلتْ في مشاركة لاعبين إسرائيليّين في البطولة الدوليّة لكرة الطائرة الشاطئيّة (الدوحة، أبريل 2017). وعلى إثر هذه المشاركة بَعثتْ مجموعة "شباب قطر ضدّ التطبيع" برسالةٍ إلى رئيس الاتحاد القطريّ للكرة الطائرة تشجب فيها هذه المشاركة وتطالبه بمنع هذه الممارسات التطبيعيّة مستقبلًا. لكنّه لم يَرِدْ إلى هذه اللحظة أيُّ تعقيب على الرسالة!

وفي حالةٍ أخرى، عرضتْ شركةُ الريل القطريّة مناقصاتٍ على موقعها في العام 2012، وكان من بين المتقدّمين إليها شركةُ آلستوم (Alstom)، المعروفة بتواطُئها مع الاحتلال ومساهمتها في المشاريع الاستيطانيّة في القدس المحتلّة. وقد ناشدتْ مجموعةُ "شباب قطر ضدّ التطبيع" الرئيسَ التنفيذيّ للشركة استبعادَ الشركة من أيّة مناقصات، احترامًا لنداء جامعة الدول العربيّة الذي طالب الدولَ العربيّةَ بمعاقبة هذه الشركة نتيجةً لخرقها القانون الدوليّ والإنسانيّ. لكنْ جرى تجاهلُ مراسلات المجموعة، ومَنحتْ شركة الريل القطريّة آلستوم عقدًا ضخمًا.[14]

كما دَعمتْ "مؤسّسة الدوحة للأفلام" فيلمًا لمخرجٍ صهيونيّ عمل مع جيش الاحتلال. فكتبت مجموعة "شباب قطر ضدّ التطبيع" رسالةً جمعتْ فيها صانعي/ات الأفلام القطريّين/ات لسحب الدعم، وقد تصدّر وسمُ "#نرفض_تطبيع الدوحة للأفلام" المشهدَ القطريّ آنذاك. عندها ضغطت المؤسّسة على مَن شارك في كتابة الرسالة كي يسحبوا أسماءهم منها. نشير أيضًا إلى تجاهل المؤسّسة للرسالة، أو التجاوب مع احتجاج القطريّين والقطريّات، حتى اليوم.[15]

 

بعض النجاحات

لم تكن الإخفاقاتُ حليفةَ مجموعة "شباب قطر ضدّ التطبيع" دائمًا. ففي يوليو 2017 على سبيل المثال تمكّن عددٌ من الناشطين في دولة قطر، برفقة المجموعة، من تفعيل وسم "#منع_فلم_وندر_ومن" عبر تويتر، طالبوا من خلاله بمنع عرض فيلم Wonder Women في صالات السينما القطريّة، بسبب قيام ممثّلة صهيونيّة (غال غادوت) بأداء دور البطولة فيه. بعد أيّام أصدرت السلطاتُ القطريّة بيانًا تعلن فيه منع عرض الفيلم بسبب احتوائه "مشاهدَ عنف." إلّا أنّ مصدرًا أكّد للمجموعة أنّ تحرّكات الحملة كانت سببًا رئيسًا للمنع.

وفي 30 نوفمبر 2017، نجح المجلسُ التمثيليّ الطلّابيّ في التصويت لصالح حملة المقاطعة، والالتزام بالضغط على كلّ محاولات التطبيع داخل جامعة قطر وخارجها، بالتعاون مع مجموعة "شباب قطر ضدّ التطبيع."

 

تطلّعات المجموعة والتحدّيات التي تواجهها خصوصًا في ظلّ "الأزمة"

تسعى المجموعة إلى مواصلة جهودها في رصد حالات التطبيع في قطر بجميع صورها، وتوعية المجتمع لها، وحثّ السلطات على منعها مستقبًلا، انطلاقًا من إيمان المجموعة بعدالة القضية الفلسطينيّة ومركزيّتها، واستشعارًا بالخطر المحدق بها نتيجةً لسعي بعض الحكومات العربيّة إلى مهادنة العدوّ الإسرائيليّ وتطبيع العلاقات معه. ويمثّل توسّعُ الأنشطة التجاريّة القطريّة في السوق العالميّة عاملًا مهمًّا يحتّم على قطر صياغةَ بنود واضحةٍ في اتفاقيّاتها وعقودها يَضمن عدمَ الإخلال بالتزامات قطر مقاطعةَ الكيان الصهيونيّ ــ ــ وهذا ما تسعى مجموعة "شباب قطر ضدّ التطبيع" لضمان تحقيقه.

يمثّل عملُ المجموعة من دون غطاءٍ قانونيّ وموقعٍ ثابتٍ على الأرض تحدّيًا دائمًا لها، يعرقل عملَها، ويؤثّر في قدرتها على التواصل مع المجتمع . فقانون الجمعيّات والمؤسّسات كان، على الدوام، عنصرَ تضييقٍ على محاولات تشكيل مجتمعٍ مدنيٍّ في قطر، وعلى الأعمال الأهليّة بكافة أشكالها، ومنها ما يتّصل بدعم القضيّة الفلسطينيّة. ولا شكّ في في أنّ الأزمة الخليجيّة القائمة حاليًّا [بين قطر من جهة وباقي دول الخليج ــ ــ الآداب] تضيف إلى التحدّيات التي تواجهها المجموعةُ تحدّيًا إضافيًّا يتمثّل في عرقلة المشاركة الفاعلة في الأنشطة والمواقف المشتركة للمجموعات المماثلة في "دول الأزمة." كما تحوّلتْ حالاتُ التطبيع المرصودة إلى فرصٍ للمتصيّدين في "دول الأزمة"  لتقاذف الاتهامات، بدلًا من أن تبقى القضيّة الفلسطينيّة عاملًا للتوحيد ونقطة للالتقاء بين الفرقاء.

ختامًا، ما زالت المجموعة تعمل على ترسيخ الوعي بأهميّة القضية الفلسطينيّة لكلّ المنطقة العربيّة، وضرورة عدم التفريط بالبوصلة، حتى لا نضيع الطريق.

قطر


[1]   علي خليفة الكواري، "الفصل الثاني عشر: انتفاضة الحجارة،" مركز الخليج لسياسات التنمية، https://goo.gl/c5sfos. وراجع كثيرًا من مجريات المؤتمر في مجلة الآداب، أرشيف السنة 1988.

[2] المصدر السابق.

[3] "لجنة قطر الأهلية لمساندة الانتفاضة الفلسطينية (وثيقة التأسيس)"  http://dr-alkuwari.net/QaCommIntefadh88.html

[5] تصريح اللجنة المؤسسة بما يتعلق برفض التأسيس: https://goo.gl/RdF6du

[6] للاطلاع على المزيد: وثائق ومستندات الجمعية القطرية لمساندة الحقوق الفلسطينية ٢٠٠١.http://dr-alkuwari.net/sites/akak/files/wthyq_tsys_ljmyhq-societyforp-legalrights.pdf

[7] قائمة ببعض أسماء الموقعين على طلب إشهار الجمعية القطرية لمساندة الحقوق الفلسطينية:  http://dr-alkuwari.net/sites/akak/files/wthyq_tsys_ljmyhq-societyforp-legalrights.pdf  

[8] مدونة مجموعة شباب قطر ضد التطبيع:  https://qayon.org

[9] حساب المجموعة على تويتر: @QAYON

[10] صور من فعاليات أسبوع مقاومة الاحتلال الفصل العنصري الإسرائيلي IAW ٢٠١٧: https://qayon.org/2017/04/28/بيان-اعلامي-اختتام-أسبوع-مقاومة-الاست/

[11] المصدر السابق.

[12] المصدر السابق.

[13] المصدر السابق.

[14]"لا لعمل فيوليا وآلستوم في الخليج!" مجموعة شباب قطر ضد التطبيع، آخر دخول ٢١ أكتوبر ٢٠١٧

 http://bit.ly/2Ir5ajT

[15] "رسالة من السنمائيين/ات والفنانين/ات في قطر لمؤسسة الدوحة للأفلام،" مجموعة شباب قطر ضد التطبيع، آخر دخول ٢٦ أكتبور ٢٠١٧: http://bit.ly/2Ir5ajThttps://qayon.org/2017/03/26/رسالة-من-السينيمائيينات-والفنانينات/

هاني الخراز

مهندس بترول من قطر. كاتب، وناشط، وعضو في مجموعة "شباب قطر ضدّ التطبيع."